أمير القوافي أحمد شوقي
شيئ عن حياته وشعره
التمهيد
إن الأدب العربي يعتز بفحول من الشعراء والعباقرة الذين سجلو لنا تاريخا ذهبيا, وخلفوا وراءهم نتاجا طيبا في آثارهم الأدبية خاصة في الشعر العربي، والشعراء كثيرون فلكل في جيل وعصر ومصر شعراء، ولكن العصر الحديث من الأدب العربي يمتاز على العصور الأخرىبفضل الشعراء النابغين والجادين لتنوع الموضوعات والأغراض التي شهدها الأدب خاصة الشعر، فنرى كثيرين من الشعر الذين عالجوا قضايا الأمة وجوانب حياتها المختلفة خير علاج، وفي بين هؤلاء الشعراء نجد شاعراعبقريا فاقت شهرته على الأقطار والأمصار، وذاع صيته في العرب والعجم جميعا، وبايع عليه أدباء عصره وشعراء زمانه، وأطلقوا عليه لقب "أمير القوافي" وشهدوا له الرصانة والإجادة في قرضه الأشعار في الإسلام، ألا وهو أحمد شوقي.
مولده وثقافته
هو أحمد شوقي بن علي شوقي بن أحمد شوقي، ولد بالقاهرة عام1285 من الهجرة كان مصر ي الموطن، وكردي النسب، أما أباءه وأجداده فهم ليسوا مصريين ، وأول من نزل منهم مصر هو جده لأبيه "أحمد شوقي" وسمي شاعرنا باسم جده، قدم جده مصر في عهد محمد علي فضمه إلى حاشيته، وكان يجيد العربية والتركية، ومع مرور الأيام إنه انتقل إلى المناصب العالية والرفيعة حتى تولى زمام أمين للجمارك المصرية في عهد سعيد باشا، توفى وهو كان في الوظيفة، ثم قدم إلى مصر جد شوقي لأمه فى عهدإبراهيم باشا، كان اسمه أحمد سليم النجدة، وهو تركي صميم، وكان إبراهيم باشا معجبابه، فقربه وزوجه بجارية معتوقة يونانية،نال المراتب السامية في الدولة إلى أن أصبح وكيلا لخاصة الخديوي إسمعيل، ووافته المنية أيضا وهو في وظيفته،
فحوى ما كتبت، أن شوقي ولد في بيئة عربية مسلمة وبها نشأ وتعلم وتثقف، ذهب شوقي إلى مكتب الشيخ صالح منذ الرابعة من عمره، ثم انتقل إلى المدرسة المبتديان، وأتم دراسته الابتدائية والثانوية ثم التحق بكلية الحقوق، ولم يزل يتعلم ويعلم ويتثقف ويثقف الآخرين خلال دراسته العلمية وإنتاجاته الأدبية،والذي يعجبنا كثيرا بأن الشيخ البسيوني كان من علماء الأزهر الأجلاء وكان يدرس شوقيا وزملاءه علوم البلاغة، فقد رأىفي تلميذه الشوقي نبوعا كاملا في الشعر فجعله استاذا يعرض عليه قصائده فكان التلميذ الشوقي يشير بمحو أو حذف أو تصحيح أو إثبات في القوافي أوالأبيات أو الكلمات أوالشطرات. وكان الأستاذ البسيوني يفد على الخديو توفيق، وعندما رأى هذاالذكاء النادر والموهبة الفائقة تحدث بهذا النبوغ الباكر إلى رجال الحكومة خاصة توفيق الخديو، فأرسل الخديو على نفقته الخاصة لإتمام الدراسة بباريس ومنها سافر إلى إنجلترا حيث قضى شهرا يتفرج على لندن ومدن أخرى هناك، وأصيب بباريس بمرض شديد، كان فيه بين الحياة الموت، فأشار عليه الأطباء أن يذهب إلى أفريقيا، فإنه اختار"الجزائر" ومكث فيها أربعين يوما، ثم رجع إلى باريس، وبدون أى شك كانت البعثة نعمة على أحمد الشوقي.
هو في القصر
عندما رجع إلى مصر اتخذه الخديو توفيق رئيسا القلم الأفرنجي، ولم تزل تعلو مكانته لدى الخديو وأصحاب العرش حتى صار مقصد ذوي الحاجات وشفيع من لا شفيع له عندالخديو،ثم وافت الخديو توفيق المنية سنة 1309من الهجرة، وخلفه عباس حلمي الثاني الذي جعل الشوقي شاعر الحضرة ورئيسا للقلم الأفرنجي وقدمه على جميع رجال حاشيته في القصر، ولهذا السبب كان نافذ الكلمة، مسموع الرأى، بل نال منزلة صاحب الأمر والنهي، أي كان لشوقي حياة مترفة، وهو كان في معيشته الخاصة أو معيشته الداخلية يمتمتع غير قليل من الحرية.
هوفي المنفى
شهدت مصر كارثة كبرى في عام 1343من الهجرة، فأبعد الإنجليزعباسا عن الحكم لاتصاله بالأتراك، وأقام مكانه السطان حسين كامل، فلم يكن لشوقي لديه مكان بل بلغ من أمر الإنجليزأن حكموا بنفي الشوقي عن مصر لأجل تحمسه للخلافة العثمانية ولحبه وصحبته مع العباس، واختار شوقي أن تكون إقامته منفيا في برشلونه إحدى مدن الأندلس، فارتحل مع أسرتها إليها وقضى هناك أربع سنين ونصف، فإنه كان يشعر بألم وحزن شديدلغربته ولمضايقة الإنجليزله كما كان يحزن بإصابات أميره عباس.
عودته ووفاته
انتهى نفي شوقي عندما هدأت نيران الحرب العالمية الأولى فرجع شوقي إلى بلاده، ووجد مصر مخضبة بدماء الحركة الوطنية الذكية، ووجد كل شيئ فيه قد تغيرو تحول، وإنه ما رجع إلى الخديوبل عاش في حياته الجديدة ،وانقطع لشؤنه الخاصة، وانصرف يعالج قضايا مجتمعه ويرشده نحو السعادة والخير، وبذلك أصبح أمل الشباب في مصير وسوريا، إلى أن وافته المنية عام 1351من الهجرة،
شاعرية شوقي
بعد إلقاء الضوء على حياة الشاعر نسلط الضوء على شاعريته ونتحدث عن مراحل حياته الشعرية وملامح الإسلام في شعره، والأغراض والموضوعات التي قرض فيها أشعاره وأنشد قصائده.
مراحله الشعرية،
مر شوقي خلال حياته بمراحل عديدة الشعرية، وفي كل مرحلة منها تعرفت شاعريته على شيئ جديد وطابع قويم كما وجدنا إبان استعراض حياته الشعرية:
v جعل شوقي ينظم الشعر منذ نعومة أظفاره، وعرض شعره على الشعراء والعلماء،مثل الشاعر الكبير إسمعيل صبري، وأخرين من أساتذته، وارتبط بالتراث العربي والإسلامي ارتباطا وثيقا،
v حتى إذا سافر إلى فرنسا كان قد أشبع بالروح العربية والإسلامية فكان تأثر ه في الموضوع والفكرة والأسلوب وبخاصة ما يتصل منه بالصورة الأدبية،
v ثم شهدت شاعريته تغيرا هائلا في منفاه إلى الأندلس، فقد آثار آبائه وأجداده القيمة الإسلامية،فوقف على كل طلل يبكي ويستبكي،
v ثم يرجع إلى مصر ويحتل مكانة مرموقة لدى الشعراء المعاصرين له، يعقدون له مؤتمراحيث يبايعون عليه ويلقبونه أمير الشعراء والقوفي.
v عاش شوقي في كل من مصر وفرنسا والأندلس كماكان يقضي الصيف في لبنان وأوروبا فخلعت مناظر الطبيعة في هذه البلدان على شعر شوقي رداء من الجمال،و نمت ثقافته وغذت مهارته الشعرية،
v كانت حياته حافلة بأحداث جسام وصراع مريربين الشرق والغرب فقد أبصر تكالب الشرقيين والغربيين على الإسلام والعرب، كما أبصر شباب أمته يتهافتون على الحضارات الغربية وتقاليدها تهافت الفراش على الأشماع، فعاصر شوقي كل ذلك، ونظر إليه، والألم يعصر فؤاده، فقرض أبياته وأشعاره متأثرا كل تأثر بهذه العواطف النفسانية وأودع نزعاته الدينية والإسلامية والقومية في قصائده وأوحاها إلى الأجيال الناشئة بكل قوة وإخلاص.
الأغراض والموضوعات لقصائد شوقي
قال شوقي الشعر في أغراض متنوعة وموضاعاة مختلفة بعض من أهمها،فما يلي:
الشعر الإسلامي: إن هذا الموضوع والغرض السامي في شعر شوقي من أجل ما طرق شوقي من الموضوعات وأحبها إليه وأكثرها هيمنة على شعره كما بسطنا القول فيه.
v الشعر التاريخي: إن التاريخ موضوع مهم تصدى به شوقي في شعره فجعل دواوينه وقصائده مسجل للوقائع التاريخية، يقول الدكتور محمد سعد بن حسين"وجاء شوقي فتناول التاريخ بيد الشاعر الماهر في فنه، الحاذق في صنعته فألبسه ثياب الجمال وأنطقه بالحكمة الصادقة، والموعظةالحسنة وجلافيه مآثرا لأجداد في الأماد، وصور أحوال السلف التي انصرف عنها الخلف، فأحيا المأثر ناطقة على المنابر تدعوالأبناء لحسن الاقتداء.
v الوصف: والوصف من أحظى الأغراض عند شوقي، فقد أجاده فيما وصف من المناظر والكوائف، وكان يصف مالم يره ولكن قرأ عنه ثم بسط، له خياله جناح التصوير فأبدع في وصف أحداث كأنما رأها بعينه، كما نجده في الهمزية وفي قصيدته"أيها النيل".
v الوطنية: حببت الوطنية إلى شوقي خير حبيبة، ولكن وطنيته أوسع وأعم من يقفها على إقليم وحده، بل كانت وطنيته، وطنيته العربي المسلم، وخير شاهد عليه شعره الذي كان يعالج به مشكلات الوطن العربي والإسلامي، كما يقول في شأن عمر المختار الجليل الليبي:
ركزوارفاقك في الرمال لواء
| * * | يستنهض الوادي صباح مساء
|
اللهم إلا أنه منح وطنه الأول مصر أوفى نصيبه في شعره، وبلغ من وفرة قوله في هذالغرض .
v المدح:والمدح أيضا من أهم الأغراض والموضوعات التي قال فيها شوقي شعره، وقرض قصائده،فمدح شوقي ملوك مصر وخلفاء العثمانيين كما مدح بعض من العلماء والأدباء ويمتدمدحه أيضا في شأن الرسول الله والحل والحرم والأعلام الإسلامية.
v الغزل والنسيب: وقد برز الشوقي في هذالميدان ونظم فيه كثيرا من القصائد المستقلة مثل قصيدته (م يتم البان)ومطلعها:
هل يتم البان فواد الحمام * فناح فاستبكى جفون الفحام
وكمانرى قصيدة أخرى ومطلعها:
خدعوها بقولهم حسناء * والغواني يغرهن الثناء
v السياسة: نظم الشاعر السياسة أيضا ،والسياسة عنده مبثوثة في جميع الأغراض وأكثر ما نجدها في إسلامياته ووطنياته،
v الشعر المسرحي:فقد سبق الشوقي من الآخرين في هذالمجال من شعراء عصره وزمانه، إذ لم ينظم قبله في هذه الميدان شيئ يذكر.
v الحكمة والمثل: إن الحكمة والمثل أيضا تتجلى تمام التجلي في قصائده، وإنها مبثوثة في شعره،فلا تقرأ أنت قصيدة إلا وتجد فيها منها نصيبا.
الإسلام في شعر شوقي
عندما نتحدث عن شاعرية شوقي فلا يفوتنا ذكرما يحمل شعره من مزايا الإسلام ورسالته السماويه، وما يرسل الشاعر من مشاعره وأحاسيسه تجاه دينه فهو يصدرفي حديثه عن الإسلام عن روح قوي، يعتقد اعتقادا جازما أن الخير كل الخير في الإسلام، وأن العيب في المسلمين الذين لم ينصفوالإسلام حين أهملوا في الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله ومن ثم كتب كثيرون عن الإسلام في شعر شوقي فمن ذلك.
الإسلام في شعر شوقي لأحمد الحوفي
شوقي وشعره الإسلامي للدكتور ماهرحسن فهمي
التدين والمجون في شعر شوقي:لعائض الردادي
ويتحلى الإسلام في شعره تمام التحلي فخير دليل عليه قصيدته التي قرضها لتوفيق الخديوأثناء زيارته لبيت الله الحرام فقال:
وإلى عرفات الله يا بن محمد
| * * * * | عليك سلام الله في عرفات
|
إن القصيدة هذه خاطب فيها الخديو توفيق ولكن نرى أن نصيب الممدوح فيها الأقل من نصيب الحج ومشاعره والبيت الحرام و المسجد النبوي والإسلام والمسلمين.
كما نرى لشوقي غرر من القصائد في مدح النبي التي ذكر فيها صفات النبي وأخلاقه، وذكر لسماحة الإسلام وأسسه وأحكامه لكونه الدين، الدين الذي ارتضاالله وأراده للإنسانية جميعا إلى أن يرث الأرض ومن عليها.
وبجانب هذا قال أبياتا في الخلافة الإسلامية حيث أيد أمر الخلافة وعاب على الذين قضوا عليها من أمثال مصطفى أتاترك ،فأثر الإسلام وروحه الطيبة الطاهرة يعبق شذاها في كل قصيدة من قصائد شوقي، حتى ماكان فيها في غير الموضوعات الإسلامية، كوصف الأهرامات والغزل ونحوهما، ولذا كان الإسلام في شعر شوقي موضوعا لأكثر من الكتب.
أثار الشوقي
خلف الشوقي وراءه أثارا علمية طيبة وتبلغ أربعة عشر أثرا من أهما مايلي:
1. الشوقيات: هو ديوان معروف لدينا،يقع في أربعة مجلدات من القطع الكبير، طبع الجزء الأول والثاني في حياته وتم طبع المجلدات الباقية فيما بعد،يحمل هذا الديوان جل ماعرف من شوقي، وفيها طرق جميع الأغراض المعروفة في أيامه قديمها وجديدها، وأول ما افتتح به المجلد الأول همزية الشوقي التاريخية المشهورة التي مطلعها:
همت الفلك واحتواها الماء * وحداها بمن تقل الرجاء
وقد احتوت الشوقيات بأجزائها الأربعةعلى ثروة عظيمة من الشعر الإسلامي كالمدائح النبوية وقصائده في رأس السنةالهجرية، ورثائه الخلافة،ومدح الأزهر وما إلى ذلك.
2. الشوقيات المجهولة: وهي أشعار ومقالات الشاعر كانت مبعثرة هناوهناك فجمعها الدكتور محمد صبري، وهذه الشوقيات تضم أكثر من ثلاثين ومأة قصيدة أوحوالى أربعة الألاف بيت من الشعر،ومن أجمل ما فيها المرثية التاريخية للخلافة:
بعثوا الخلافة سيره في النادي * أين المبايع بالأمام ينادي
3. دول العرب وعظماء الإسلام: عرض الشاعر فيه التاريخ الإسلامي منذ بدايته إلى سقوط دولة الفاطميين بمصر، ويحمل الكتاب 1829 بيتا من الشعر منها 153 بيت في السيرة النبوية،
4. أسواق الذهب: وهي مجموعة المقالات التي عالج فيها الشاعر القضايا الاجتماعية، ثم جمها في عام 3151من الهجرة،وله فيها أسلوب رائع .
وعلاوة على هذه الأثار المهمة الأربعة نظم الشوقي في المسرحيات أيضا فإنه خلف سبع مسرحيات: ست مأس وملهاة واحدة، وإنه لاحظ الجمهور في مسرحياته مثل مالاحظ في شعره الغنائي.
إننا نجد ثلاث مآس من مآسه تستعرض العاطفة الوطنية في المصريين وهي:مصرع كلوبترا،وقميز، وعلي بك الكبير وهي موزعة على تاريخ مصر في قديمة وسيطه، وثلاثا أخرى تستعرض العواطف العربية والإسلامية وهي، مجنون ليلى، ومسرحية عنيزة، وأميرة الأندلس، فالمأستان الأوليان نظمهاالشوقي شعرا أما الثالثة(أميرة الأندلس) فكتبها نثرا.
أما الملهاة:فقام شوقي بتأليفها في أواخر أيامه وسماها "الست هدي" وقد مثلها الغرفة القومية بعد وفاته، وإنها نجحت نجاحا كبيرا وهذه الملهاة تتألف من ثلاث فصول،
هذه وقفة على حياة شوقي وآثاره الشوقي هوالذي أوجد المسرح الشعري في الأدب العربي بمسرحياته كما قال الدكتور محمد بن سعد بن حسين.
خلاصة القول هذا غيض من فيض عن حياة شوقي وشاعريته ، فحياته حافلة بآثار علمية وأدبية، وقطعت حياته شوطا عديدا في الجوانب الشعرية والأدبية، وله صلات رصينة مع الإسلام، والإسلام يتجلى في شعره بكل وضوح، وإنه قرض قصائده في أغراض مختلفة سامية، فهو رائد مثالي في العصر الحديث، وله من عظيم على الأدب العربي عامة وعلى الشعرخاصة.
No comments:
Post a Comment