الأديب العبقري نجيب محفوظ
حياته وخدماته
التمهيد
النجم الذي طلع في ظلمة الرواية العربية، وشق الظلام من تاريخها، وأخرجها من عهدها الحالك؛ ثم تدرج وأصبح بدراكاملا تلألأ في كبد سماء الأدب الروائي وأضاء الكون . المصباح الذي نور جميع الأوساط الأدبية بضياء أفكاره، واستضاء به من أحبوه، ومن نقدوه جميعا، والأديب الذي ملأ الأرض ببطولاته؛ حتي اعتز الأدب نفسه بنشاطاته وبمجهوداته. والبطل الذي قاد الأدب العربي، وجعله يحاذي آدابا أخري. والروائي الذي بعث الرواية من مرقدها، ونفخ فيها روحا جديدا بعد أن كانت صنفا من أصناف الأدب، لا يعني به ولا يقام له وزن. هذا هو الأستاذ نجيب محفوظ الأديب العالمي، رائد الرواية العربية وفارسها الأول ،الذي ضخم الأدب وأشرق وجهه.
مولده
ولدالأستاذ نجيب محفوظ في كنف أسرة من الطبقة المتوسطة، لم تكن علي جانب من الترف والرخاء وما كانت تعاني من البؤس والإعواز؛ بل كانت فيما بينهما، تعيش عيشة راضية هادية البال وسالمة الحال. قد ولد في الحادي عشر من الكانون الأول عام 1911م في حارة"درب قرمز" التي تقع في ميدان "بيت القاضي" بحي الجمالية بالقاهرة القديمة؛ حيثما عانت أمه حالة ولادة متعثرة، ولم تتمكن القابلة من فعل أي شئ إلا الاستنجاد بالزوج، فأسرع أحد أصدقائه بإحضار الدكتور نجيب محفوظ الذي كان من أشهر أطباء النساء، واحتل مكانا مرموقا في الولادة، فسمي الوالدوليده ب"نجيب محفوظ" تيمنا باسم الطبيب الذي أشرف علي ولادته.
كان أبوه عبدالعزيز موظفا في إحدي المصالح الحكومية. ثم استقال، واختار التجارة كسبا لمعاشه، ولم يكن من محبي القرأة، ولا يرغب فيها، فلم يقرأ أي كتاب بعد القرآن سوي "حديث عيسي بن هشام". وقرأه لا شغفا به، بل لعلاقته الوطيده بصاحبه المويلحي.
وترعرع نجيب محفوظ في حضن سيدة أمية، لا تقرأ ولا تكتب. فلم يرث شيئا من الأدب والمعرفة. وكان نجيب محفوظ أصغر الأبناء وأحبهم لدي والديه، لأنهم جميعا كانواأكبر منه بأكثر من عشر سنوات. تزوجوا وغادروا بيت العائلة. فعاش مع والديه كأنه طفل وحيد. وكان أكثرعلاقة بأمه بالنسبة إلي والده، لأنه كان يقضي أكثر أوقاته خارج البيت مشتغلا في عمله، وكل ماكان يقضي داخلها، يقضي صموتا لايتحدث، ولا ينطق بلفظ إلا بالضرورة.عكس أمه الحنون التي كانت تتعهد بولده، وتشرف علي تربيته. وذلك فطرة الله التي فطرالناس عليها جميعا.
عاش نجيب محفوظ طفولته في حي "الجمالية"، وشبابه في "العباسية"،حيث اشتري والده منزلا جديدا. ثم انتقل بعد زواجه إلي "الحسين" والغورية".وظل مشدودا بالأحياء السابقة يتردد عليها، ويرتاد مقاهيها، ويزور أصدقاءه وجيرانه. ولا يكون الشجيرة دوحة مالم تكن مربوطة بجذرها.
وهو في كنف الدراسة
بدأ نجيب محفوظ مشوراه الدراسي في صباه علي شاكلة الصبيان الآخرين، فلم يبلغ الرابعة من عمره حتي ألحق بكتاب الأستاذ بحيري في حي علي وشك من بيته. ففي البداية سار نجيب محفوظ علي غرارالصبيان الآخرين الذين ربما لا يرغبون في القرأة وإنما يساقون إليه سوقا. ولكن التوفيق ساعده عاجلا، ولم يؤخر بمعاونته، وعرف نجيب قيمة العلم والمعرفة،فلم يمس بوالده أية حاجة إلي حثه علي الذهاب، والحضور في الكتاب. وسرعان ما اعتاد ذلك وأخذ يختلف إليه، وعكف علي الدراسة وانجذب إليها انجذابا كليا؛ حتي وقف حياته لها. وقد حكي نجيب محفوظ بنفسه قصة كراهيته للدراسة في نعومة أظفاره، وحدوث الرغبة فيها له فيقول: ذهبت ذات صباح إلي مدرسة الأولية محروسا بالخادمة، وسرت كمن يساق إلي السجن، بيدي كراسة، وفي عيني كأبة، وفي قلبي حنين للفوضي.، والهواء البارد يلسع ساقي شبه العاريتين تحت بنطلوني القصير. وجدنا المدرسة مغلقة، والفراش يقول بصوت جهير: بسبب المظاهرات لا دراسة اليوم أيضا.غمرتني موجة من الفرح،وطارت بي إلي شاطئ السعادة .ومن صميم قلبي دعوت الله أن تدوم الثورة للأبد!
ثم يحكي قصة مساعدة التوفيق فيقول:"في صباي مرضت مرضا لازمني بضعة أشهر، تغير الجو من حولي بصورة مذهلة، وتغيرت المعاملة، ولت دنيا الإرهاب ، وتلقتني أحضان الرعاية والحنان : أمي لا تفارقني ، وأبي يمر علي في الذهاب والإياب ، وإخوتي يقبلون بالهدايا، لا زجر ولاتعيير بالسقوط في الامتحانات .
ولما تماثلت للشفاء ، خفت أشد الخوف الرجوع إلي الجحيم! عند ذاك خلق بين جوانحي شخص جديد، صممت علي الاحتفاظ بجو الحنان والكرامة ، إذا كان الاجتهاد مفتاح السعادة فلأجتهد مهما كلفني ذلك من عناء. وجعلت أثب من نجاح إلي نجاح ، وأصبح الجميع أصدقائي وأحبائي . هيهات أن يفوز مرض بجميل الذكر مثل مرضي"
ومكث هو بكتاب شيخ بحيري غيركثير، وتلقي مبادئ القرأة التي أهلته للالتحاق بمدرسة بين القصرين الإبتدائية، ودرس هنا علي كبار الأساتذة، وبما أنه كان مجتهدا بالفعل ومن الأوائل دائما، وكما كان يتمتع بالذكاء الفريد والجِدية في الدراسة، لم يرسب في أية درجة. ولا يزال يتدرج حتي أكمل دراسته الابتدائية والثانوية ولم يتجاوزعمره 18 سنة.
بعد حصوله علي شهادة "البكاليورس"، كان والده يري أن أهم الوظائف في مصر، هما وظيفتان: وكيل النيابة ، والطبيب، لذلك كان يود ويصر علي إلحاق إبنه بكلية الطب أو بكلية الحقوق، وكان أصدقاؤه أيضا يؤيدون فكره، ويقفون بجانب رأيه.
وأما الأستاذ نجيب بنفسه كان يحلم منذنعومة أظفاره أن يكون لاعب كرة القدم، وأحيانا كان يحلم أن يحذق في الفلسفة، أو أن يكون موسيقيا. ولكن القدر شاء عكس ما شاء أبوه وشاء بنفسه. فطغي ميله إلي الأدب فالتحق بكلية الآداب بقسم الفلسلفة، وحصل علي شهادة الليسانس في الآداب قسم الفلسفة، وبعد تخرجه سنة 1934م، كان يتمني أن يُبعث هو إلي فرنسا لدراسة الفلسفة، ولكن لم تتحقق أمنيته، ولم يدرك ماكان يريد ويشاء، وذلك لإسمه القبطي نجيب محفوظ الذي سمي به تقديرا لطبيب ولادته القبطي، والذي أوحي وفديته، وكانت الحرب ضد حزب الوفد علي أشد ها في تلك الفترة. فتوقف في قاهرة، وشرع في إعداد رسالة الماجسترفي الفلسلفة تحت إشراف أستاذه الأستاذ مصطفي عبدالرزاق وكان موضوعها هو (الجمال في الفلسفة الإسلامية) ولكن الظروف لم تتح له الفرصة لمواصلة دراسته وانصرف الأستاذ إلي العمل.
في ساحةالكسب
بدأ الأستاذ نجيب محفوظ حياته الكسبية وكان طالبا للحصول علي شهادة الليسانس في الفلسلة، بأنه اشتغل محررا في مجلة "الجديدة"كان يصدرها أستاذه سلامة موسي . وحينما نشر له أستاذه روايته الأولي "عبث الأقدار" كانت نسخها أول ما تقاضاه الأستاذ نجيب محفوظ من أجر علي أي عمل، ثم بعد التخرج مباشرة، التحق بالسلك الحكومي، وتولي عددا من الوظائف، وحظي بأعلي المناصب، فاشتغل سكرتيرابوزارة الأوقاف من 1938 إلي 1945، وعمل بمكتبة "الغوري"بالأزهر، ثم عين مديرا لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتي عام 1954، ثم مديرا للرقابة علي المصنفات الفنية، وفي عام 1960 عمل مديرا عاما لمؤسسة دعم السينما، ورئيسا لمجلس إدارتها، ثم رئيسا لمؤسسة السينما، وكذلك مستشارا لوزير الثقافة لشؤون السينما حتي أحيل إلي التقاعد عام 1971.
على قمة الخلق
كان الأستاذ نجيب محفوظ يتمتع بخلق عظيم، أسست قواعدها علي مبادئ نظيفة رفيعة، فكان يعرف قيمة الأخلاق الحسنة معرفة الأب لأبنائه، بأن الأخلاق هي وحدها الأساس في كل مجمتع، والتي تسيطر علي جميع مشاكل الأعمال البشرية، والتي تضمن التفضيل علي كل ماعداه، وكان يعلم أنه هذا هوالعصا الذي يمهد الطريق، ويزجي جميع أخطاره وأشواكه، ويفتح كل باب مغلق مسدود. فكان يتسم بوجه بشوش وروح مرحة، وكان يضفي علي مجلسه مع الأصدقاء جوا من المرح والدعابة، بحيث كان يطلق نكات لطيفة، وتعليقات لاذعة ساخرة. حيث يقول الفنان التشكيلي محمد الشربيني أحد المقربين من محفوظ ويتابع "كلنا نتساند علي نجيب محفوظ سواء بشخصه كرمز تفاني في العطاء بنبل وشرف، أو بأعماله التي ستبقي حية وممتدة في الزمان والمكان"، وكان يهتم غاية الاهتمام بتعزية المعارف وتهنئتهم، وعيادتهم والسوال عن أحوالهم ،حيث يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، وكان يرد علي جميع الرسائل والخطابات، التي توجه إليه. ولا يفوت أية فرصة للتواصل مع الأصدقاء والأقارب وأفراد العائلة في جميع المناسبات، كما كان يسعي وراء توطيد العلاقات بهم أبدا.
انتماءه إلى الأدب العربي
بعد إتمام الدراسة الثانوية، كان يود الذهاب إلي فرنسا لمواصلة دراسته، ولكنه حرم منه لسبب ذكرناه من قبل، فبقي في القاهرة، وسجل نفسه لحصول شهادة الماجستير في الفلسفة، وشرع إعداد رسالته بعنوان "الجمال في الفلسفة الإسلامية" فجرف الأدب في طريقه، وشعر نجيب محفوظ بالتمزق والتشتت بين الفلسفة، التي كانت موضوعه الدراسي، والأدب الذي يشغف به، وملك عليه لبه، فدار في نفسه الصراع، وتعقد عليه الأمر، ففكر في طبعيته الأدبية، التي كانت لا تزال تنحدر إلي مزاولة الأدب وممارسة الكتابة، ووظيفته الدراسية،التي ظلت تتعقد عليه بكل لحظة ماضية، فطغي ميله الأدبي علي ميوله الأخري، إلي أن اعتذر عن إتمام أطروحته في الفلسفة، وتفرغ للأدب وجعله شغله الشاغل، وساعد عليه أستاذه "سلامة موسي" الذي أيده ومهد له طريق الأدب وأخذ بيده إلي الكتابة، بفتح أبواب مجلته.
عزم نجيب محفوظ علي أن يكون أديبا بارعا، وكاتبا بارزا يشار إليه بالبنان، وصمم إرادته، ولم يترك أمنيته تضطرب لتحقيقها، كما لم يكن حلمه _لكونه أديبا_حلما من أضغاث الأحلام، التي لا تبقي إلا إلي مالم تفتح العيون ، ماإن فتحت، أصبحت هباء منثورا. فشمر عن ساق جده، وانكب علي الدراسة والقرأة المتنوعة حتي قيل:"قلما يوجد نظيره بين الأدباء والمثقفين في حرصه علي القرأة المكثفة والمتنوعة بكل نوع من الكتب، واتخذ لذاته مبادئ صارمة، وآلي علي نفسه، بألا يخترقها قط، ولا يسير عكسها في رحلته الأدبيه ولو بقيد أنملة . ونظم أوقاته تنظيما يضرب به المثل، فوضع أيامه صيفا وشتاء، وقسم أوقاته صباحا ومساء، وحدد ساعات للقرأة والكتابة، وكان لا يقوم بعمل أخر فيها سواها، فيقضي الصيف في "الاسكندرية "، والشتاء في "القاهرة"،يبدأ عمله صباحا، وينتهي منه في الثانية ظهرا، ثم يرجع إلي بيته ليتناول الغداء، ويستريح قليلا؛ لأن القيلولة يذهب بكسالة المرء وتعبه، ويملأه بالنشاط والطمأنينة. ثم كان يستيقظ، ويستعد للكتابة مساء لمدة ثلاث ساعات. فهكذا كانت عاداته ومواعيده التي ذكر عنه، وكان هذا التنظيم تنظيما دقيقا لثواني وقته متقيدا بمواعيده، حتي ذكر زملاؤه أنهم كانوايضبطون عقارب الساعة بموعده، وأطلق أحد رسامي الكاريكاتير عليه وصف "الرجل الساعة".
وتعود نجيب محفوظ قرأة الكتب الأدبية لأصحابها، عقاد، وطه حسين، وسلامة موسي، وتوفيق الحكيم، والأستاذ مصطفي عبدالرزاق، الذي كان يدرس له الفلسفة في كلية الآداب، وكذلك كان يتلذذ بقرأة كتب الأدب الإغريقي. فقويت عواطفه، وتقدم قلمه علي الفصاحة، ثم أخذيكتب، و ينسج قصصا وروايات .
رحلته الكتابية
انخرط نجيب محفوظ في عدة أعمال، إلا أن العمل الذي التهم حياته، هو الكتابة. بدأ حياته الكتابية وكان طالبا بجامعة القاهرة، يناهز عمره من 19 سنة، بأنه اشتغل محررا في مجلة "المجلة الجديد" لصحابها "سلامة موسي"،فأول مقالة كتب كانت بعنوان "احتضار معتقدات وتولد معتقدات"، التي نشرت في أكتوبر 1930 م، ثم نشر له مقالة أخري تحت عنوان "اعرف نفسك بنفسك"، وذلك في المجلة "المعرفة" التي كان يصدرها عبدالعزيز الإسلام بولي، ثم في مجلة "الثقافة" للدكتور أحمد أمين، هكذا نشرت له تلك المقالات، ولم يتجاوز عمره من عشرين سنة. وحينما قويت عواطفه، وتقدم قلمه علي الفصاحة، وبدأت الألفاظ والتعبيرات تتدفق عليه لانتخابه في الكتابة، قدم نجيب محفوظ عددا كبيرا من الأعمال الأدبية . واستطاع خلال هذه الأعمال الأدبية أن تصور التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي لمصر خلال القرن الماضي، الذي يعد أهم القرون التي عاشتها مصر.
القصة ونجيب
القصة هي سردأحداث خيالية، أو واقعية، مر بها الناس، وشهدها الأرض، و قد تنسج في النثر وربما في الشعر، يقصد بها إثارة الاهتمام والإمتاع أو تثقيف السامعين أو القراء، وليست القصة فن استحدثه أدباء هذا العصر الجديد، وأوجده دون أصول سابقة؛ فقد نجد في العهد الجاهلي قصصا كثيرة تدور حول أيام العرب وحروبهم، وكذلك حينما نستعرض عصر العباسي، نجد كثيرا من القصص التي ترجمت من قصص الأمم الأجنبية، مثل "كليلة ودمنة" وألف ليلة وليلة"،ولكن هذه القصص كانت قصيرة جدا لا تتجاوز عن ثلاث أو خمس صفحات، ولم تكن تمس حياة اجتماعية شعبية، بل كانت تدورحول تهنئية ملك أو تعازيه، ثم تقدم الزمن وتطورت القصة إلي مقالة، حتي طلع شمس عهد نجيب محفوظ، وبدأ الأدبا ء يتخذون مبادئ قصصهم وأفكارها من الحياة الإجتماعية. فلم يلبث نجيب محفوظ حتي ركز أنظاره علي الحياة المصرية، واختارها وسيلة للتعبيرعماكان يكمن في صدره من المواهب والذكاء، وكتب كثيرا من القصص الصغيرة ؛ فأول ما نشرله من القصص هي "ثمن الضعف"بالمجلة "الجديدة" يوم 3 من أغسطس، ثم "همس الجنون" الذي يقول نجيب محفوظ عنها: إن متعته الكبرى، هي تلك الساعات التي كان يجلس فيها على ناصية حي من الأحياء الشعبية، ينسج عواطف هذه القصة. وذاك حقاً ما يحس به القارئ في قراءة مجموعته القصصية "همس الجنون". وكذلك من قصصه الأخري "بيت سئ السمعة" وهي مجموعة قصصية تحكي بعضا من حكايات الناس . وقصة سماها "حكاية بلا بداية ونهاية" وهي قصة شعبية مثل جميع قصصه ؛ لم يبتعد في هذه الحكاية عن ميزته الخاصة، بأنه يصوروقائع القصة تصويرا تاما بشكل يحس القاري كأنه ينظرإلي أحداثها بأم أعينه. فما أبطال تلك القصة إلا أشخاص حقيقيون، وما أحداثها إلا أحداث جرت علي أرض الواقع، و شهدتها مصر. إن لهذا الأديب العبقري عدة قصص، أخذت أنظار الأدباء و نالت رواجا عاما في البيئة المصرية الأدبية من بينها : "دنياالله" كتبه خلال عام 1963م، و"خمارة القط الأسود" التي جاءت في حيز ا لوجود سنة 1969م، و"تحت المظلة"في نفس السنة،و"شهر العسل" في عام 1971م "الجريمة" 1973م ،و"الحب فوق هضبة الهرم " في 1979م، التي تم تحويلها إلي فيلم أحمد ذكي وآثار الحكيم ، ثم "الشيطان يعظ"في سنة 1979م "رائيت فيما يري النائم" عام1982م و"الفجر الكاذب"سنة 1988م.
الرواية وتطورها في الأدب العربي
الرواية هي القصة الطويلة،التي تحتوي علي العديد من الأبطال،وتشتمل علي عدة عناصر، وتتناول مشكلاة الحياة ومواقف الإنسان منها، وتعد من أهم أجناس الأدب النثري، وهي شكل متطور للقصة القصيرة، والمقامة والسيرة، التي تعد أساسا من الأسس التي قامت عليها الرواية العربية.
ولكن الرواية فن أحدثه الغربيون الذي قد نضج، وازدهر في الآداب الغربية قبل إزدهارها في الآداب العربية. وفي الغرب نفسه انتشعت الرواية في القرن التاسع عشر، وتشكلت مع "بلزاك "و"زولا" و"تولوستوي"و"دويستفكي" بالشكل الأدبي الوحيد. وتعد الرواية أداة للصراع الاجتماعي ضد قوي الاستغلال، وسلاحا خطرا لمناهضة الظلم والاستبداد.وكذلك الأداة لتعميم السعادة والعدالة في المجتمع الإنساني أيضا.
ولمااحتل الفرنسيون مصر، واستوطنوها؛ رأي أهالي مصر الفرنسين يعيشون عيشة لم يكونوا يألفون بها ، و فنونا من اللهو كالتمثيل والغناءلم يحلموا بها ؛ ففكرو أن أمثالهم في الغرب يعيشون حياتا تختلف منهم كل الاختلاف، وعلموا، أن وراء البحر عالم جديد، وحرصوا علي معرفة تلك الحياة، و اتصال بذلك العالم. فكان رفاعة الطهطاوي، الرائد الأول الذي بذل قصاري جهوده لتعريف العرب بعلوم الغرب، وحث المصريين علي تعلم هذه العلوم . وبدأ حركة ترجمة الآداب الغربية إلي العربية. فتحول أولا رواية "مغامرات تليماك"من الفرنسية إلي العربية، وسماها ب"مواقع الأفلاك في وقائع تلماك". ترجم رفاعة، ولكنه لم يتقيد بالأصل بل تصرف فيه، وأدخل فيها آراءه، والأمثال الشعبية، والحكم العربية، هكذا لم يترجم فقط بل مصرها.وكان لغة رفاعة لم تكن تحرر من قيد السجع والبديع . ولكنها كانت أول رواية مترجمة، التي جذبت قلوب الناس، ونالت رواجا عاما. ولم نكن مبالغين ان نقول إن هذه هي التي كانت محاولة أولي أدت دوراً هاما في إتصال الحضارة العربية بالحضارة الغربية، ونقل ثقافتها. ولم يكن رفاعة وحده في مساعيه لتعريف العرب بعلوم الغرب، بل كانه يساعده أستاذ حسن العطار، الذي كان حريصا علي فتح آذان الشعب وعيونه علي حضارة الغرب، فبث أفكاره علي لسان الراوي في كتابه"مقامة الأديب الرئيس الأستاذ حسن عطار في الفرنسيين".
ثم بعد انسحاب الفرنسيين من مصر؛ ما إن تولي محمد علي مقاليد الأمور، حتي اندفع يسير علي غرار الفرنسين في العلم والنظام، فأقام المدارس المختلفة علي نمط أوروبي، مثل مدرسة الألسن . واستقدم لها العلماء الأوروبين، فجاؤا مع آدابهم وثقافتهم. وأخذ المصريون يطلعون علي الحياة الأوروبية من قرب. وكذلك أرسل محمد علي مجموعة من بارعي اللغة العربية وآدابها إلي أوروبا، ليتمتعوا بثقافتها، وكان أميرهم الأول رفاعة الطهطاوي،فذهب هناك وتأثر بآدابها، ثم وصف بعد إتقانه الفرنسية خلال إقامته ب "باريس" الحياة الفرنسية في كتابه "تخليص الإبريزفي تلخيص باريز"، كشف فيه عن الفروق بين الحياة السياسية هنا وهناك.ودعا إلي اقتفاء إثر الغرب في علومه وفنونه. ثم البعوث المسيحية الدينية من بينها الفرنسية والأمريكية التي نزلت مصر مصحوبة بآدابها وثقافتها التي بلّغتها إلي الشعب المصري بطريقة الترجمة. هذه كلها لعبت دورا رائدا في إنشاء العلاقات بين الثقافتين وتوطيدها.
ولما أنشأت العلاقات بين أدباء العرب والغرب، واتصلوا بأوروبا، تأثروا بآدابها، واتجهوا إلي تحويل ثقافتها وتمزيجها في ثقافتهم العربية ،فترجمواعددا كبيرا من الروايات والقصص الغربية، ولكنهم لم يحتذوا بخطوات رفاعة في محاولاتهم للترجمة، بل تحرروا من لغة السجع، وانفكو عن أسلوبه الثقيل. فمنهم من أثرو التمصير فيما كانوا يترجمون من قصص مثل حافظ ابراهيم" والمنفلوطي" والآخرتقدم خطوة، وأوسع عمله في التمصير بالتصرف وإضافة فقرات من تلقائ نفسه. وبعضهم حاولوا أن يحدثوا نماذج روائية بغض النظر من الترجمة، فكتب المويلحي "حديث عيسي بن هشام" ومحمد حسين هيكل "زينب"، وتلتها مجموعة محمد تيمور من الأقاصيص باسم " ماتراه العيون " وهي الأقاصيص التي تمتاز بواقعيتها كما تمتاز بأسلوبها القصصي.
فحينما وضعت الحرب الأولي أوزارها، وخمدت نيرانها، بدأت النهضة الأدبية، وخطت الرواية خطوات أوسع من التي بدأها رفاعة وهيكل، وكثر من يكتبون الأقاصيص القصيرة والطويلة. منهم من رجحت كفتهم، ولمعت أسماؤهم ،هو محمود تيمور، ومحمود لاشين، وكذلك طه حسين، والمازني.وكان لكل واحد منهم أسلوبه الخاص الذي ينفردبه عن أقرانه، فامتاز طه حسين بتصوير الحياة المصرية وبأسلوبه البارع، والمازني اتجه إلي الجانب النفسي سيرا علي غرار كُتاب الغرب، وحلل مشاعر الإنسان وأحاسيسه و استمد من الحياة اليومية وتجاربها، وكذلك تآخي به عقاد بقصة "سارة" ولكن الاتجاه التحيليلي العقلي، قدتوقف تماما، وسار أكثر من تلاهم بعد، في اتجاه هيكل وطه حسين، وركزوا أنظارهم علي التحيليل الاجتماعي، مثل ماقام به توفيق الحكيم، ومحمود تيمور، ونجيب محفوظ .هكذا تطورت الرواية في الأدب العربي، وأصبحت ذات نمط خاص، وأسلوب معين، وازدهر الفن ازدهارا واسعا، ونفض ا لكُتاب ذيول الغرب، وعكفواعلي بيئتهم، واعتمدو علي أنفسهم، فنضج الفن، وأصبح عربيا متوطنا في بيئتنا. وبرز في كتابتها أكثر من واحد من الروائيين العرب، الذين طبقت شهرتهم جميع أنحاء العالم، وترجمت أعمالهم إلى لغات عديدة منهم: توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف أدريس.
مساهمة نجيب في الرواية
امتدت رحلته الكتابية أكثر من سبعين عاما، وأنتج خلالها أكثر من خمسين كتابا، ما بين روايات طويلة، وقصص، ومسرحيات، ومقالات صحفية، حظيت بقبول عام، وأخذت عيون الأدباء الذين عاصروه، وتهافت عليها القراء تهافة الفراش، حتي قيل إن أحد الأسباب الأساسية لشراء الناس الصحيفة "الأهرام" كان متابعة روايات محفوظ، التي كانت تنشر مسلسلة علي حلقات.وخاصة بعد ثورة يوليو تدفقت أعمال نجيب محفوظ في جميع اتجاهات الحياة، وكتب في جميع قضاياها، وسرد الرواية علي نحو لم يسبقه إليه أحد غيره.
فأول رواية كتبها،هي "عبث الأقدار" التي صدرت عام 1938م، وتلتها روايتان "رادوبيس" عام 1943م و"كفاح طيبة" عام 1944م، التي أثني عليه سيد قطب، ثم"خان الخليلي" عام 1945م، و"القاهرة الجديدة" عام 1946م التي حولت لفيلم باسم القاهرة، ومن أبطالها حمدي أحمد، وسعاد حسني، وعبدالمنعم ابراهيم، ثم"زقاق المدينة"في سنة 1947م،و"السراب" عام 1949م ، و"بداية ونهاية" عام1951 م.تم تحويل تلك الثلاث الأخريات أيضا إلي أفلام .
ولأن نجيب محفوظ شب في أجواء ثورة 1919م، وتاثر بمشاهدها ، وتعلم من هذه الأجواء قيمة الوطنية، وأثرها في وجدان الجماهيرفانطلاقا من روحه، قررأنه يعيد كتابة التاريخ الفرعوني بشكل روائي، وكتب بالفعل ثلاث روايات اشتهرت بثلاثيات نجيب التي تضمن روايته "بين القصرين" وقصر الشوق" و"السكريته"، والتي تحول فترة مابين 1917م إلي 1944م، قد أنهي كتابته مع قيام ثورة يوليو.
فبعد ثورة يوليو في سنة 1952م، رأي نجيب محفوظ أن الغاية التي كانت يريد ها في كتاباته، ويسعي إليها عبررواياته، قد تحققت، فقرر أن يتوقف عن الكتابة الأدبية، وقام به فعلا، وانقطع عن كتابة القصة والرواية انقطاعا كلياامتد إلي خمس سنوات؛فلم يكتب في تلك الفترة شيئا منها،وتوجه إلي كتابة سيناريو، فكتب عدة نصوص لسينما، وبعده حينما رأي أن الثورة قدضئلت شعلتها، وكادت الثورة أن تنحرف عن مسارها،عاد إلي الكتابة وكتب "أولاد حارتنا" التي تعد من أشهرأعماله، واختار فيهاأسلوبا رمزيا يختلف عن أسلوبه الواقعي، وقد ابتعد في نسجها شيئا عن منهجيته السابقة ؛ لم يعالج في حبكتها مشاكل اجتماعية بالطريق المباشرالتي كان معتادا عليها. استمد فيها من قصص الأنبياء السابقين، واستوحي من حياتهم، ومما قاموا به من الأعمال الكثيفة، وما بذلوا من المجهودات الجليلة، لتحقيق القيم الخلقية، وإخراج الناس من الظلمات إلي النور، ولكنه لم يترك ميزته الخاصة كليا ، بل تناول المجتمع من باب خلفي بأن هدفه الأساسي لكتابة الرواية لم يكن مجرد سردحياة الأنبياء في قالب روائي، بل هو حاول وراء تلك الرواية لتصويرالقيم الإنساني التي سعي لأجله الانبياء، كالعدل والحق والسعادة، ولتذكير قادة الثورة بغايتها، كما عبر بنفسه عن ذلك: " فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الاجتماعي الذي كان سائدا علي جو مصر في تلك الآونة" .
وما إن ابتدأنشرهامسلسلة في صفحات جريدة"الأهرام"حتي أحدثت ضجة في جميع أوساط البلاد، وسببت أزمة كبري، لأن الشخصيات التي استخدمها نجيب محفوظ في الرواية كانت تسئ إلي الإسلام والمسلمين في العالم كله، فهاجمها شيوخ الأزهر، وعلي رأسهم محمد الغزالي، وطلبوا بوقف نشرها، وأخذ الرئيس جمال عبدالناصر طلبهم بعين الأعتبار، واتفق علي عدم نشرهافي مصر، ولكنها طبعت في لبنان وانسلت إلي أسواق مصر، رغم منع دخولها. وبعد فوزها بجائزة نوبل، بدأت لنشرها حرب تجارية، ولكن نجيب محفوظ عارض النشر، فلم ينشر حتي السنة الماضية، ثم حينما وافق نجيب بعد 47عاما من الحظر في مصر علي نشر الرواية، بشرطين: أولهما موافقة الأزهر، وثانيهما قيام أحد أعضاء الإخوان المسلمين بكتابة المقدمة، وهوما تم بالفعل هذاالعام حيث صدرت عن دارالشروق بمقدمة الدكتور محمد كمال أبو المجد .
كفر نجيب محفوظ بسبب هذه الرواية، واتهم بالإلحاد والزندقة، حتي إن الأستاذ عبدالرحمن قال بعد نشر رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" : "أما من ناحية الحكم الإسلامي فسلمان رشدي الكاتب الهندي صاحب "آيات شيطانية"ومثله نجيب محفوظ مؤلف "أولاد حارتنا" مرتدان وكل مرتد وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فلابد أن يقتل،ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ ماكان قدظهر "سلمان رشدي"، وكذلك تعرض نجيب محفوظ مرة لمشكلة أخري إذ حاول شاب اغتياله بسكين طعنه في عنقه في أكتوبر وقال: "إنهم قالوا لي أن هذا الرجل مرتد عن الإسلام وواجب قتله". كما تعرض مرة لروايته "ثرثرة علي النيل" وقصته بأن المشيرعامر عبدالحكيم قرأ روايته، فظن أن نجيب محفوظ يرمز إليه في الرواية، وقد تجاوز حدوده، فأصدر قرارا باعتقال نجيب، واستعدت القوة بالفعل لإلقاء القبض عليه ولكن تدخل ثروت عكاشه وأخبر الرئيس عبدالناصر بقرار المشير عامر، فأمر بإلغاء الاعتقال، ولفظ نجيب أنفاس الطمأنينة.
وأثناء هذه الهجمات جميعا ظل نجيب محفوظ صامتا، وقد تحاشي عن الدخول في الصراع حتي عارض بنفسه علي نشر الرواية، لأنه لم يكن يحب المعارك والخوض فيها، لافي المعركة الأدبية، ولا في السياسية، وقد تجنب دوما صخب هذه المعارك، وعلي هذالمنوال كان حديثه في جلساته، وندواته، لا يشارف السياسة، بل كان يتحاشي الحديث عنها، وكان هو يؤكد دوما أن معركته الحقيقية مع الورق والقلم مع الكتابة والإبداع .
قدأطنبنا الكلام حول"أولاد حارتنا"، وسلطنا عليها ضوءا لم نسلط علي أية رواية أخري فلأنهاهي من أبرز أعمال نجيب محفوظ التي سببت حصوله علي جائزة نوبل مالم ينل أحد في التاريخ الأدب العربي، والتي أحدثت ضجة كبري في أوساط مصر الدينية، حتي اتهم كاتبها بالإلحاد والإرتداد.
ثم تقدم في رحلته الكتابية، وكتب أشهر رواياته "اللص والكلاب" في عام 1961م و"لسمان والخريف"في سنة 1962م، ثم "الطريق" عام 1964م، و"ثرثرة علي النيل"في عام 1966م و"ميرامار" و"الشحاذ"عام 1967م و"المرايا" سنة 1972م، ثم قدم أبرزرواياته "ملحمة الحرافيش" 1977م، و"ليالي ألف ليلة"عام 1981م، و في أواخرعمره كتب مجموعة قصص قصيرة، أطلق عليها اسم "أحلام فترة النقاهة"، وقد كتب ما يقارب السبعين من هذه "الأحلام" الصوفية والفلسفية.
أسلوبه في الكتابة
تأثر نجيب محفوظ خلال حياته الأدبية بأعمال "توفيق الحكيم" خاصة، لتمسكه بالجذور الفرعونية، وما انفك يطالع آثاره بجد واستمرار. ولكنه أصر منذ البداية علي أن يكون له شكله الفني الخاص، ورؤيته المتفردة للواقع والتاريخ، فهجر الموضاعات التي كان يعني بهاالأدباء الأقدمون، ونسج حبكة رواياته من المجتمع والحياة، بجميع نواحيها الدينة والسياسية والاجتماعية، وكذلك نبذ أسلوبهم البالية وراء ظهره، الذي كان مقيدا بالسجع الثقيل، فاتخذه سهلا محررا عن ثقله، وكان لغة انجازاته لغة سهلة فصيحة، وأحيانا تتخللها عامية مصر، وذلك لإثارة معني، أو تكريس حقيقة، أو تصوير واقع كما هو، وكان يمتاز بجزالة اللفظ ، ولباقة الصياغة، وشاعرية المعني وروعة الفكر، ولطافة الإشارة. والشيئ الذي وضعه نجيب محفوظ نصب عينيه، وركزعيونه عليه في طوال رحلته الكتابية، هو كانت الواقعية والتعبيرالصادق لأحداث القصص كماهي حدثت وشهدتها الأرض، والذي تجسد في الكثير من أعماله، التي مزج فيها التاريخ بالفلسفة بقضايا الواقع، وقد تبلور في اهتماماته الخاصة بالعدالة الاجتماعية، وعلاقتها بالحرية الفردية. إن فكرةنجيب الواقعية والتعبير الصادق بالإضافة إلي أسلوبه الأدبي الرائع، وعباراته اللطيفة، ومناخاته الممتعة،هذه هي كلها، ما ميز ته عمن عاصروه من الأدباء، والمثقفين، وكان يقدم من خلال حواراته، ورواياته، ما كان يخيم على ذلك المجتمع من أفكار وعادات وسلوكيات.كما كان يكتب قصصه بعد تلمسها حقيقة على أرض الواقع، إذ أنه كان يعيش قصته في مناخاتها الحقيقية ،التي كانت تشد الناس ليتابعوا رواياته .
ولأنه لم يكن لديه جواز سفر، لم يغادر مصر، وحصر نفسه في مدينة القاهرة، ولذا تركزت رواياته علي مدينته، وعلي بيئتها التي كان يعيش فيها، وعلي حاراتها التي كان يمر بها، فقد تناول نجيب محفوظ المجتمع وحياته، بجميع نواحيه، وتحولاته الاجتماعية، والسياسية والدينية. ظل في القاهرة والاسكندرية منذ ولادته إلي وفاته متصلا بأرضها وسماءها، وأبدع أدبا رائعا ترحل من مدينة إلي مدينة، وتجول من بلاد إلي بلاد. ماإن قرأ الناس سطر كتابه حتي اغرموابه وتابعواالراواية في جلسة أو جلسات.
رحلته السينمائية
لم يكن ذاك الأديب الروائي مجرد ناقل لأحداث خيالية ؛ إلا أنه كان متقناً في تصويره للنفس الإنسانية على اختلاف الشخصيات التي حفلت بها قصصه. كان صادقاً في تعبيرالأحداث إلى حد، ربما يشعر القاري بأنه هو جزء من القصة، أوكأنه يشاهد الفيلم، والأحداث جارية علي شاشة الفيلم، وهو ينظرإليها بأم أعينه.
. لذلك حينماالتقي بالمخرج ا لسينمائي الكبير: صلاح أبو يوسف_ الذي كان قد سبق له قرأة رواية نجيب محفوظ "عبث الأقدار" _ عن طريق صديقهما المشترك الدكتور فؤاد نويرة. قد أشرق وجه المخرج بلقاء رجل ترجم عواطفه نفسه، وتحول مشاعره إلي رواية ممتعة. فشجعه وأعده لكتابة سيناريوهات. فكان هذاللقاء بمثابة فرصة ثمينة للسينما المصرية لتخرج من الرداءة إلي الجودة، ولتتقدم إلي الأمام.
وكان نجيب محفوظ لم يكن يعرف السينما، حتي ماهية هذ الفن، ولكنه تقدم، وبدأ في كتابة أول سيناريو لفيلم "مغامرات عنتر وعبلة" عام 1945م. ثم سيناريو لفيلم "المنتقم" عام 1947م، وعبر هذين الفيلمين، تعلم نجيب محفوظ مبادئ هذ الفن،ثم انطلق يقتحم هذ المجال، وخاصة في الفترة بعد ثورة يوليو من عام 1952إلي 1960 م،بعده توقف عن كتابة السيناريوهات، وعاد إلي كتابة الروايات. وكتب خلال رحلته مايقارب من 18 سيناريو سينمائي، .كما حولت عدة رواياته إلي أفلام.
إن نجيب محفوظ لم يبلغ الرواية المصرية إلي أوجها، فقط بل أبلغ السينماأيضا إلي مالم يحلم به الناس في تلك الفترة. حيث عُدَّ أكثر أدباء مصر أعمالا لسينما المصرية، كتب له وعمل، و ترك أثرا كبيرا علي السينما، حيث عمل مديرا للرقابة، ثم مديرا لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشارا لوزير الثقافة لشئون السينما.
نال مالم ينل أحد من الجوائز
أشاد الناس بجميع ماقام به نجيب محفوظ من أعماله الروائية، والقصصية، والسينمائية، وكذلك لم تتركه الحكومة دون أي تشجيع أو تقدير، بل قدرت خدماته، وأثني علي جميع مجهوداته لتضخيم اللأدب العربي، وخاصة المصري، فمنحه شتي جوائز في شتي المجالات . فأول جائزة حصل عليه نجيب محفوظ، كانت جائزة "قوت القلوب" فازبها في سنة 1943م، ثم جائزة وزارة المعارف عن روايته "كفاح طيبة" عام 1944م، ثم تقدم في سبيل الجوائز، وأحرز جائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلي" سنة 1946م،ثم حصل علي جائزة الدولة التشجيعية في الآداب من المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1957م. وكذلك فاز بوسام الاستحقاق من الدرجة ا لأولي سنة 1962م، ثم جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب عام 1968م. وتلتها جائزة وسام الجمهورية من الدرجة الأولي عام 1969م، ثم نال مالم ينل أحد في جميع الأوساط العربية وهو "جائزة نوبل"عام 1988م، وأخيرا فاز بجائزة مبارك من المجلس الأعلي للثقافة، عام 1999م؛ التي منحه الرئيس حسني مبارك بنفسه، تقديرا لمكانته الرفيعة، وإثرائه الأدب المصري والعربي، الذي ترجم إلي 33 لغة من لغات العالم الحية، لينقل أدب مصر وحضارتها وثقافتها إلي مختلف المحافل الأدبية والثقافية في أنحاء العالم.
انتقل إلي رحمة الله
مرة بينماهو كان يسير علي الشارع فاجأه السقوط ،وأصيب بجروح في الرأس اقتضت جراحة فورية، فأدخل في مستشفي الشرطة المطل علي النيل، بحي العجوزة وسط القاهرة في يوليو2006 م.حيث أفاق، ثم أدخل نفس المستشفي مرة أخري يوم 10 أغسطس لإصابته بمشاكل في الرئة والكليتين، وبهبوط حاد في الدورة الدموية.حيث وافته المنية، وانتقل إلي رحمة الله في وحدة العناية المركزة للمستشفي المذكور، في الثامنة وخمس دقائق صباحا يوم الأربعاء 30 /أغسطس سنة 2006م في القاهرة التي ولد فيها وظل مشدودا بها طيلة حياته، وذلك بعد معاناة طويلة بأمراض شتي بالإضافة إلي الشيخوخة، وغادر الدنيا الدنيئة متمتعا بعمر يناهز 95عاما.
ودَّعه المصريون في جنازتين:شعبية وعسكرية، الأولي في مسجدالإمام الحسين، حسب ما أوصي به الفقيد المرحوم،وأمها شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد الطنطاوي، حيث احتشد الألاف من عمال الحكومة، ومأت المثقفين والأدباء، بالإضافة إلي حشد كبير من رجال وكالات الأنباء العربية والعالمية ورجال الإعلام والصحافة.ولوحظ في الجنازة غياب الشعب العام،لعله لكتابه "أولاد حارتنا" ثم نقل جثمانه إلي مسجد أل رشدان بمنطقة نصر،ولف بعلم مصري، تقديرالحبه له، وأقيمت هناك جنازة عسكرية، تقدمها الرئيس المصري حسني مبارك مع جميع أصدقائه ووزرائه .
وتقدم الجنازة حملة أكاليل الزهور من مختلف المؤسسات والهيئات, وحملة الأوسمة والجوائز، التي حصل عليها الفقيد الكبير طوال مشوار حياته، وفي مقدمتها قلادة النيل، وهي أعلي وسام في مصر. وتم دفن جثمانه في مقابر أسرته بطريق الفيوم.
فارق الأديب مجتمعه الذي كان ينسج به عواطف رواياته، وقومه الذي كان يستلهم منه أبطال قصصه، وفقدت الرواية فارسها الذي بعثهامن مرقدها ورد إليها حياتها ونفض عنهاالتراب، وبقيت أعماله ليذكره الناس.
vvv
No comments:
Post a Comment