Wednesday, January 28, 2009

Hafiz Ibrahim an Egyptian poet

شاعر النيل حافظ إبراهيم

شئ عن حياته وشعره

مولده

ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة صغيرة كانت راسية في النيل بمدينة "ديروط" الواقعة بمحافظة "أسيوط" في مصر، حيث والده المهندس كان يشتغل بالإشراف على قناطر "ديروط" وإرواء أراضي"محمود سليمان باشا" أحد كبار سادة مصر في ذلك الحين، الذي كان قدم تلك السفينة إلى والدحافظ ليعيش عليها وينعم بسكناها. وكان والده "إبراهيم آفندي"مصريا صميما،أما أمه كانت ترجع نسبها إلى أسرة تركية،تزوجت بوالدحافظ وسكنت بجنبها في السفينة،ثم أنجبت وليدها الأول "حافظ"، ولكن لا يعلم تاريخ ولادته على اليقين وماكانت الأسرة تعلم بنفسها، فقدر بعض المعاصرين بأنه ولد في 4 من فبراير سنة 1872م، ففتح حافظ عينيه على صفحةالنيل،ودرج على ظهرها بين حنان الأم وتعهد الأب، ولكن لم يطل ذلك الحنان ولم يتوسع ذلك الظل الأبوي،لأنه لم يبلغ من عمره إلا سنة رابعة حتى اخترم والده وانتقل إلى رحمة الله تاركا زوجته بين براثن البؤس، وطفلا صغيرافي حجرها، ولما اشتد رزؤها وبلغت حالةالأسرة إلى الإملاق، ارتحلت أمه مع ولديهاحافظ وأخته إلى القاهرة لتعيش في كنف أخيها "محمد آفندي نيازي"الذي كان مهندسا.

تعليمه

قضي حافظ إبراهيم عدة سنوات عابثا ولاعبا في بيت خاله،ثم توجه خاله إلى تعليم الطفل ،فألحقه بالمدرسة الخيرية بالقلعةليتعلم القراءة والكتابة وما إلى ذلك من العلوم، فمكث هناك أياما قلائل ثم التحق بمدرسة القربية الابتدائية،ولم يقم هناك إلا ما لا يؤبه به ، حتى انتقل إلى مدرسة المبتديان، ثم تحول إلى المدرسة الخديوية، ولم يمكث هناك أيضا طويلا،لأن خاله غادر القاهرة وانتقل إلى "طنطا" سنة 1887م، لم يدرس حافظ منتظما ولم يتعلم مواظبا على مقرالدراسي الواحد، فكل ما تعلم ودرس كان في غير نهج سوي ودون نظام، لأنه ظل ينتقل من مدرسة إلى مدرسة ،ولكنه كان مشغوفا بالقراءة، فعكف على قراءة كتب الأدب العربي، وأشبع رغبته منها، وكان يقراءها بالمواظبة، من بينها كتاب "الأغاني" الذي قيل إنه قرأه عدة مرات، وكتاب "المكافاة" وكتاب "الوسيلة الأدبية" للشيخ حسين المرصفي- كتاب احتوت على أمشاج من النحو والصرف واللغة والبلاغة وألوان شتي من أمثال العرب وحكمهم وأشعارهم منذ العصر الجاهلي حتى أوائل العصر الحديث، وقد فُتن به كثير من الأدباء في ذلك الحين،مثل الشوقي والبارودي- وكتب الجاحظ وغيرها من أمهات الكتب، وكان حافظ يسرع في قراءته فيقال إنه قرأ كتابا وديوانا في عدة دقائق، كما كان يطيل النظر في دواوين الشعراء ويحفظ ما يوافق هواه، وكذلك اتصل حافظ بأعلام الذين أشرقوا في سماء العلم والأدب، وعبّ من مناهلهم العلمية، فكان يختلف إلى دار "السيد توفيق البكري" حيث يلتقي مع أفاضل العلماء أمثال الشيخ الشنقيطي والشيخ محمد الخضري والشاعر اللغوي حفني ناصف، كما كان يتردد على منزل الشاعر إسمعيل صبري حيث كان يجتمع كثير من الشعراء مثل شوقي ومطران وأحمد نسم ومحمد عبدالمطلب وعبدالحليم المصري وغيرهم من الأدباء، فهنالك لقي حافظ بجميع منهم، وتلمذ على أيديهم، وأخذا حسب مااستطاع، وكان صاحب الدار توفيق وصاحب المنزل إسمعيل صبري وضيوفه يخوضون في أحاديث الأدب واللغة في حين لآخر، فتمتع حافظ بتلك المباحثة وتعلم كثيرا من ألفاظ اللغة وتراكيبها، لم يكن حافظ يعكف على قراءة منظمة ذات منهاج مرسوم، بل أخذ شئيا من هذا وأخرى من ذاك،هكذا كان يشبع رغبته الأدبية، كماقال الأستاذ "أحمد أمين":كان كالنحلة تنتقل من زهرة إلى زهرة وترتشف من هذه رشفة ومن تلك رشفة، فهو يرضي ذوقه في أوقات فراغه بالمطالعة المتنقلة، فإذا عثرعلى أسلوب رشيق أو معني دقيق اختزنه في نفسه"، .

مازال حافظ يقيم في بيت خاله ويعيش على حسابه،مع أن سنه كان يكبر رويدا رويدا، وكان بنفسه يزحف نحو الشباب، فذات يوم فكرفي نفسه وأحس أنه ولد لا مهنة له يرتزق منها، ولا مرتب يعيش عليها، ولا شئي آخر يدر عليها ما يسدتكاليفه، فشعربأنه كلٌّ على خاله،وأن خاله أيضا كان ضئيل الدخل،قليل الموارد، إلي متي يتحمل مصارفه،وعلم أن خاله أيضا يضيق به بسبب تعطله، فضاقت عليه ساحة بيت خاله، وثقلت عليه الحياة معه،ففكر في مغادرة المنزل، وقررأن يهاجره، فترك منزله هائما على وجهه وكتب لخاله بيتين:

ثقلت عليك مؤونتي* إني أراها واهية

فافرح فإني ذاهب* متوجه في داهية

في مكاتب المحاماة

ترك حافظ منزل خاله، وظل يتيه في ميدان العطلة شارد الحال، ثم فكر في عمل يُدر عليه ما يسد جوعه ويدرأ عنه رزء البؤس والفقر، ويحفظه عن الإملاق، ففكر فيما يصنع؟ فبادر في ذهنه أن يسلك طريق صديقه ويختار التعليم كشغله المحترف، ولكن اصطحبت هذه الفكرة كثيرا من الأخيلة،بأن حافظ لم يدرس بنظام ، ولذا لم يحصل على أية شهادة علمية ،ولا بد لكون المعلم أن يدخر ما يمكن له من الشهادات،فترك فكرة التعليم، ثم بعد قليل من الإمعان والتفكير قرر في اختيار مهنة المحاماة، لأنها كان لا يُشترط فيها الحصول على أية شهادة علمية، فكانت واسعة الأكناف، لا تصعب على كل من يلج بابها،إلا أن يكون طلق اللسان، وقوي البيان، وهاتان الصفتان كانتا متوفرتان لحافظ بأحسن صورهما، فقرر أن يكون محاميا، ولكنه لم يكن رجلا ذا مال وثروة،لا يتمكن من استقلال المكتب لنفسه، فقصدالشيخ"محمد الشيمي"المحامي بطنطا، واشتغل بمكتبه، ومرت الأيام والأشهر وظل حافظ هناك، ثم وقع الخلاف في بعض الأمور بينه وبين شيخه،فترك عمله، وترك له بيتين:

جراب حظي قد أفرغته طمعا * بباب أستاذنا الشيمي ولا عجبا

فعاد لي وهو مملوء فقلت له * مما؟ فقال: من الحسرات، واحربا

ثم اختار الأستاذ "محمد أبو شادي" المحامي كشيخه، واشتغل بمكتبه،ولأن الأستاذ أبو شادي كان يعشق الأدب ويحب حامليه، فوجدالحافظ هناك جوا يلائم طبيعته، ومناخا يوافق هواه، فمكث هناك أكثرقيامه في غيره من المكاتب،ثم لايعلم ما حدث الذي سبب على تبرمه من العمل تحت إشراف أبي شادي، فتركه، وعمل مع الأستاذ "عبدالكريم فهيم" المحامي، ثم عندالأستاذ" إبراهيم الهلباوي"وما إلى ذلك،فلم يستقرالحافظ على حال ولم يمكث في مكتب، ظل يرتحل وينتقل إلى شتي مكاتيب،ولأنه كان رجلا كسلانا لا يحسن عمله ولا يهتم به ، ولم يكن لديه مال أن يستقل بمكتبه،فملَّ مهنة المحاماة، فنبذها وراء ظهرها ، وفكر في مهنة أخري.

في المدرسة الحربية

كان حافظ قد تأثر بأستاذه "البارودي" الذي طار ذكره وذاع صيته في الآفاق في وقته ، وأعجب به أشد إعجاب،كما كان تبرم بعمل دؤب فكان يريد وظيفة مستقلة تضمن له رزقا منظما يأتيه كل شهر، فبعد تركه مهنة المحاماة أراد أن يسلك على غرارأستاذه البارودي ويأخذعلى فنون السيف والقلم لأن كلاهما يصنع فعلا واحدا،فالأول يقطع الرأس بضربة واحدة والأخر يقتل قتلة بعد قتلة،وكان الالتحاق بالمدرسة الحربية أمرالا صعب فيه،فالتحق بها سنة 1888م في سهولة ويسر، مكث هناك ثلاث سنوات،مبتهجافي تفكيرعما يحصل عليه بعد التخرج، فتخرج سنة 1891م ، كان على جسمه حلة عسكرية وعلى كتفه نجمة، وفي ساعده سيف صقيل،وكان متيقنا بأنه قدضمن له رزقا ثابتا يجري عليه كل شهر بانتظام دون أي تعويق.

في الشرطةالمصرية

قد تخرج حافظ كضابط برتبة الملازم الثاني،فعين بعد تخرجه مباشرة في نظارة الحربية،ومكث هناك ثلاث سنوات،وفي ذلك الوقت لم تكن مدارس البوليس قد أنشئت في مصر، لذا رجال البوليس كانوا ينتخبون من خريجي المدرسة الحربية، فتعرض له حافظ أيضا، ونُقل من نظارة الحربية إلى الوزارة الداخلية،وعُين ملاحظ بوليس في مدينة "بني سويف"،حيث مكث غير كثير، ثم انتقل بعدهامعاونا لبوليس الإبراهيمية،ولم يمكث هنا إلا سبعة أشهر، حتى ردّته الوزارة الداخلية على أدراجه إلى الحربية ، حيث أحيل إلى الاستيداع،لإهماله في أداء واجباته.

كان حافظ قدالتحق بالمدرسة الحربية وتخرج فيها وكما كان يخيل إلى كل من يراه أنه بقامته المديدة ، وعضلاته المفتولة، بطل مغوار يركب المخاطرويقتحم الأهوال، ولكن هذا كله كان ظاهره الذي لا نسبة له بالشجاعة ، لأن البطولة تحتضن في القلب بجنب الجرأة والهمة، ولم يكن حافظ في أي وقت من أوقات حياته بطلا مغوار ورجلا الجيش ولا الشرطة، كما قال الأستاذ أحمد أمين:"على أنه يخيل لي أن حافظا لم يخلق رجل قتال. نعم كان منظره رجل حرب، فهو مستحكم الخلقة، وثيق التركيب، مفتول الساعدين، عريض المنكبين، ولكن لا أظن أن قلبه يشاكل جسمه".

في السودان

قد أحيل حافظ،وتقاعد عن العمل، ولكن حينما أراد "لورد كتشنر" أن يفتح السودان ويقضي على ثورة المهدي، مسته الحاجة إلى تزويد الجيش بكثير من الضباط، فاستدعي حافظ وأمثاله إلى الخدمة، وعد في الجيش وأرسل إلى شرقي السودان سنة 1896م حيث ألحق بسلاح المدفعية، ثم جعل بين القائمين على أقوات الجيش، ولم تكن معاملة الإنجليز مع من يشتغل معهم من المصريين في الجيش معاملة حسنة، بل كانوا يظطهدونهم، ويستهون بكرامتهم، ويعاملون معهم كالعباد والموإلي،فواجه حافظ معهم أيضا عنت الإنجليز واعتسافهم،كما كتب في رسالة إلى الإمام محمدعبده،يقول:"حللت السودان حلول الكليم في التابوت والمغاضب في جوف الحوت بين الضيق والشدة والوحشة والوحدة. لا، بل حلول الوزير في تنور العذاب، والكافر في موقف يوم الحساب بين نارين: نارالقيظ ونار الغيظ"فكان حياته في السودان سيئة الحال، فران على نفسه الحزن واستولي عليه اليأس، فكان يغضب على الإنجليز ويلتهب في نارغيظه ويغلي في قلبه الحقد والضغينة ، ولكنه لم يجرؤ على إظهاره،مخافة شر الإنجليز، بل شق طريقا آخر لإطفاء نار غيظه، بدأ يرسل أناته الحزينة إلى أصدقائه بالقاهرة،ويكتب عن حياة السودان القاسية، فكتب إلى صديقه "محمد بيرم" يصور برمه بالحياة في السودان ، فيقول في قصيدة:

ولكني مقيدة رحالي
نزحت عن الديار أروم رزقي
وما غادرت في السودان فقرا
وها أنا بين أنياب المنايا

*

*

*

*

بقيد العدم في وادي الهموم
وأضرب في المهامه والتخوم
ولم أصبغ بتربته أديمي
وتحت براثن الخطب الجسيم

وأحيانا كان يظهر غيضه بل يترشح بدون علمه ما كان يغلي في قلبه من المشاعر حول السردار فكان ينشدفي ذم سردار جيش المصري،يحدو بهاهو وأصحابه، كما قال:

تراه إذ ينفخ في المزمار
يجتنب العاقل والنبيها

*

*

تحسبه في رتبة السردار
ويعشق الجاهل والسفيها

فالأشعار كهذه، واكتراث حافظ في أداء واجباته، ما كان يرفعه رئيس فرقته "رفعت بك" إلى السردار، فهذا كله أنجب الموجدة في قلب السردار، وساءت علاقته معه، حتى كتب أمام اسمه "لايرقي ولا يرفت"فزادت نقمة الحافظ،وعظمت عليها الخطب، وكثرت البلايا، حتى بدأ يفكر في ترك الجيش والعودة إلى القاهرة بين أصدقائه، ولكنه لم يقم به عملا خشية الإملاق فيقول: لما كنت في السودان كنت أكتب الاستقالة من عملي في الجيش ظهرا حتى إذا أقبل الأصيل بنسائمه مزقت الاستقالة".

ثم حدثت حادثة غيرت مجري حياته وسببت إقصائه عن الجيش مع كره من عنده،وهوأن بعد حادثة 1899م بدأالإنجليزيشددون قبضتهم على الجيش في السودان،وأخذوا يجمعون سلاح الجنود الذين كانوايشتغلون معهم في أعمالهم لعدم ثقتهم بهم وخوفا من اندلاع أية ثورة ضدهم، فتمرد فريق من زملاءحافظ الجنديين،بعدذلك حاك الإنجليز حيلة وفتش عن جميع من جاهروا بالعصيان، فقاموا باستمالةالجنود، وشراء ضمير من يفوزبه، فتقرب أحدمنهم بجندي، وطرح عليه أسمي المراتب،وأشربه الخمر فإذا فعل الخمر صنيعه ، سأله المتمردين،فاستملاه حسب زعمه، وعد اسم حافظ من بينهم مع أنه لم يشارك معهم ، فسقطت عليه الصاعقة، بأنه كان قد أقصي عن الجيش، وأعيد إلى القاهرة محالا على الاستيداع على مرتب ضئيل لا يكثر من أربعة جنيهات في الشهر.وذلك حدث في الثالث من مايو سنة 1900م ، ثم أحيل على المعاش حسب طلبه في أول نوفمبر سنة 1903م.حيث تمت حياته الحربية. وتغيرت أحواله الشخصية،لأنه كان قد تأثر بتلك الحادثة أشد التأثير، التي ملأت قلبه باليأس وكما أفعمته من السخط على الدنيا ومن فيها،فاستولي عليه الخوف وتملكه ذعر شديد بأفكار الرزق والمعاش.

متذرعا با لتملق

قدأحيل حافظ عن الجيش على معاش ضئيل لا يكفي حاجته،فبحث عن عمل يكتسب به رزقه وما يشبع حاجاته، فداروجال من هنا إلي هنا، قدمه أستاذه شوقي إلى جريدة "الأهرام" ليفوز بعمل ولكنه رُد ولم يوفق،هكذا ضرب في المدينة كلها باحثا عن عمل ولكنه لم يصب شيئا من الفوز، فأخيرا أراد أن يسلك على غرارشوقي ويشترك في وظيفته، فبدأ يتملق الخديو عباس محاولا للظفر بشئي من الحظوة لديه، فطفق يضفي عليه ألوانا من المديح، وعقودا من التهاني المنظومة يتخللها الرجاءللفوز بأهدافه،فما حانت المناسبات حتى أعد الحافظ قصيدته المدحية لخديو، فهذا يقول بمناسبة عيدالفطر:

إلى سدة العباس وجهت مدحتي
مليك أباح العيد لثم يمينه
ويحمل عني للعزيز تحية

*

*

*

بتهنئة شوقية النسج معطار
ويا ليت ذاك العيد يبسط أعذاري
ويذكر شيئا من حديثي وأخباري

حينما أقبل عيد جلوس الخديو، حانت له فرصة فانتهزبها ونظم قصيدة هنئ فيها الخديو واعتذر عن بيان جيمع صفاته الخلقية وما كان يليق شخصيته، لأن شاعره شوقي لم يبق لحافظ معني ينشده، فيقول:

لم يبق أحمد من قول أحاوله
فلست ممن سمت بالشعر همتهم
لكن عيدك يا عباس أنطقني

*

*

في مدح ذاتك فاعذرني ولا تعب
إلى الملوك ولا ذاك الفتي العربي
كالبدر أنطق صوت البلبل الطرب

وما إلى ذلك مانظمه من قصائده المدحية في جميع المناسبات مثل عيدالأضحي والعام الهجري، ولكن هذا كلها ذهبت سدي لم يعد إليه بشئ من النجح، ولم يجدي به نفعا، فظل يقاسي حياته ولم يحظ من الخديو ولو بنظرة ، إلا أنه أنعم عليه برتبة "البكوية" سنة 1912م.وهو أيضا بمساعدة "أحمدحشمت" ناظر المعارف، ثم منح نيشان النيل من الدرجة الرابعو في نفس السنة.

في دار الكتب

قد أحيل حافظ عن الجيش، ولم يفز بمكان في السراي عند الخديو عباس، فساءت حالته، وضنكت عيشته،وعبست حياته في وجهه، مع أنه لم يدخر أي وسع في البحث عن العمل، ولكنه لم يحظ بشيئ،ومع هذا لم تقعدبه همته عن الطلب، ولم يهدأ جأشه، فظل يبذل ماكان في وسعه من المساعي والمجهودات،فقرع باب" أحمد حشمت" ناظر المعارف في ذلك الحين،الذي كان رجلا ذا ذوق سليم يقدرالأدب والأدباء، فرق لحاله، وأشفق عليه بتعيينه في وظيفة بدار الكتب المصرية في فبراير سنة 1911م، على مرتب ثلاثين جنيها، وبقي هناك يعمل بدون نظام ومعني حتى عُين رئيسا للمغيرين بالدار،ثم لأنه كان رجلا كسلان يتهرب عن العمل، وبلغ إلى الخامسة والخمسين من عمره،ففي سنة 1927م طلب إحالته على المعاش بقدر خمسين جنيها في كل شهر، تعويضا لخدماته في الأدب العربي، ولكنه ذهب سدي ولم يجب بالإثبات،فبقي هناك يعمل غير واجب،وظل مرتبه يربوحتى بلغ إلى ثمانين جنيها،ثم أحيل إلى المعاش في الرابع من فبراير سنة 1932.

ارتحل إلى رحمة الله

لما أحيل الحافظ على المعاش عن دارالكتب، فكرأن أجله يدنو رويدا رويدا،لأنه كان يسمع وينظر بعينه أن المرأ لا يُحال عن العمل إلا إذا بلغ سنه إلى أرذله،وأصابته الشيخوخة.وكان يعلم علم اليقين أن الشيخوخة تطل على الموت،هكذا كان مصابا بمرض الوهم، و بلغ هذاالمرض إلى مبلغه،فماإن يسمع بمرض أو صديق ألم به مرض،كان يظن أنه أيضا مصاب بذلك المرض، فكان يبدأ علاجه. كما حينما كان يسمع نأي وفات أي من أصدقائه،يحس أن بعده نوبته، وأن الموت تقترب منه ويكاد أن يخترمه بين أونة وأخري، كما يظهر من رثائه، يقول في ذكري الإمام محمد عبده:

قد وقفنا ستة نبكي على
وقف الخمسة قبلي فمضوا

*

*

عالم المشرق في يوم عصيب
هكذا قبلي وإني عن قريب

وهو يرثي صديقه حفني ناصف:

آذنت شمي حياتي بمغيب
قد مضى حفني وهذا يومنا

*

*

ودنا المنهل يا نفس فطيبي
يتداني فاستثيبي وأنيبي

فكان مرض الوهم أهم ما ألم به حافظ من الأمراض، لأنه كان يعوق الإفاقة ويقوم في وجه الشفاء.فمرة كان حافظ قد أصيب بمرض السكر، وبدأ علاجه بإصرار أصدقائه، ولكنه لم يواظب على ذلك العلاج لأنه كان لا يستقل على حال ولا يستقر في مجال، وهذا كان ما تعوده طيلة حياته،فانقطع عنه، وعمل كسلانه صنيعه في مرضه ولم يعني بصحته ولم يتوجه إليه، فظل المرض يتضاعف، ويسبب على أمراض أخري، حتى ذات يوم اشتدت عليه العلة، ولم يطلب الطبيب،وأهملها ظنا أنه برد خفيف ينصرف عنه بعد حين، فمضت الساعات ولكنه لم ينصرف، ولم يفق به، واشتد الألم، فاستدعي خادمه صديقه الوفي"عبدالحميدالبنان" وأسرع بالطبيب، فإذا الحافظ يلفظ أنفاسه الأخيرة، فودع الدنيا وما فيها من متاع الغرور. في الساعة الخامسة صباح يوم الخميس 21 يوليو سنة 1932م ، فتخربت مجالسه وفقد الناس من كان يبث في نفوسه سروار وبهجة بلطائفه وطرائفه،كما فقد الأدب مربيه ومرويه، قد احتشد في جنازته علية القوم وأعلام الأدباء وذوو الراي، وصلي عليه في جامع الكيخا، ودفن في مقابرالسيدة نفيسة.

خلقه

وكان حافظ رجلا اجتماعيا يكره العزلة ويتنفر الوحدة، كان لا يمكث في بيته إلا لأداء حاجاته، وكان يقضي أكثر أوقاته خارج البيت جالسا في المقاهي والفنادق، كما ذكر الدكتور "عبدالحميد"في الشهور الأخيرة ثقلت عليه علته ولكنه كان لا يلزم داره إلا إذا أقعده المرض، فإذا أحس بنعمة العافية تسري في بدنه، غادر بيته وأسرع إلى أصدقائه"، وكان لا يفرق بين الناس قدرا ومنزلا، كان يجتمع بهم على تباين طبقاتهم، ولما كانت أخلاقه دمثة لطيفة ترتاح لها النفوس،ويالفه الناس على عجل، كان كثير العلائق والمجالس، فإبان خدماته في الشرطة والجيش وبدارالكتب لا يهتم بواجبه، بل كان يصرف أوقاته مع الأصدقاء والعامة من الناس من كانوا يلتفون حوله، فحينما كان ملحقا بالجيش في السودان كان يشكو بعد القاهرة ومجالسها،وكذلك حينما كان بدارالكتب كان يخرج من البيت متوجها إلى مكتبه ولكنه كان يقف بين الطريق في مقهي ويلقي على من يحضره من اللطائف المضحكات ويتأخرعن مواعد المكتب وأحيانا ينفق فيهاجميع ساعات العمل، كما يقول زميله في العمل أحمد محفوظ" وربما مضي الأسبوع والأسبوعان والثلاثة وهو لا يأتي إلى عمله، وإذا جاء جال في أبهاء الدارجولة قصيرة يضاحك هذا ويمازح ذاك،ويتنادر ويحادث وهو واقف أو سائر"

وكان رجلاساذجا مملوءة بالسذاجة، فكان لا ينكر على أحد، ويصدق كل ما يقال له،وقد بلغ من سذاجته إلى غايتها حتى يكاد أن يعُد من البلهاء، كما كان يعتقد لسذاجته في أمور غريبة، قيل أنه كان يعتقد أن نفحة التفاح منومة، فكان لهذا يكثر من شمه وأكله، كان يحمل في صدره قلبا طيبا لا يعرف الحقد والحفيظة فما كان يسخط على أحدولا يغضب عليه، مع أنه كان سريع الغضب ولكن لا يبقي غضبه سوي لحظات، كان يسخط وينسي، ثم كأن لم يحدث شيئ،

ذاكرته

كماكان إحدي أعاجيب زمانه في قوة ذاكرته، فكان ذا حافظة قوية لاقطة ، فروي عنه بعض أصدقائه "أنه كان يسمع قاري القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالرواية التي سمع القاري يقرأبها"،كان يسمع القصة ويحفظها ثم يرويها برمتها دون حذف أية كلمة وتبديل أي حرف، فذكر صديقه الأستاذ عبدالعزيز البشري: " كان حافظ قوي الحافظة ، ولقد كان –رحمه الله- يتناول الصحيفة فيها القصيدة لشاعر كبير أو مقالة لكاتب مبرز، فإذا عيناه تجمزان فيها جمزا حتى يأتي على غايتها، ثم يطرح الصحيفة حتى ما تشك في أنه كان يطلب نماذج من بعض أقطارها ليعجل عليها الحكم السريع النظ، فما يروعك بعد أيام بل بعد شهور بل بعد سنين طوال إلا أن تبعث المناسبات ذكر هذه القصيدة أو هذا المقال، فإذا حافظ يروي بظهر الغيب أفخر ما فيه أو أحقه بالزراية لبلوغه الغاية من الفسولة والإسفاف" استظهر كثيرا من شعر السابقين وحفظ طرائف الأدباء ونوادرهم،فحينماكان يتكلم ويتحدث، يبهرالمخاطب بذكاءه وقوة ذاكرته، كما وصف أحد أصدقائه فقال:"لم أر قط رجلا اجتمع له من متخير القول ومصطفي الكلام مرسلا ومقفي مثل مااجتمع لحافظ، فكان حقا له من اسمه أوفر نصيب. وإذا كنت ممن يجري في صناعة الكلام على عرق وهيئ لك أن يحاضرك حافظ في الأدب لصبّ على سمعك عصارة الشرع العربي وأبدع ما انتضحت به القرائح من عهد أمرئ القيس إلى الآن. ويمكنك أن تعد بحق حافظا أجمع وأكفي كتاب لمتخير الشعر العربي عرف إلى اليوم".

جوده وسخاءه

كان الجود والسخاء من أهم صفاته، فكانت يداه مبسوطتان، فلا يستقر في يده مال،وماكان يدخرولا يسعي له،حتي قيل لو قبض يده بعض الشي لأصبح من أهل الثراء والغني، قد وسع الله رزقه وكان يؤتيه المال من حيث لا يحتسب، مع أنه كان يفكر فيه أكثر أوقاته، ولكن الحافظ قد عاني من البؤس والفقرأشد المعاناة،وكم من باب طرقه حافظ باحثا عن عمل ليقتات بموارده، ولكنه لم يوفق فران عليه اليأس وحطمه من داخله، فلفت أنظاره عن المال ،وفقد المال أهميته له، فلم يقم له وزنا، فكانت ثروته في متناول كل يد،كان يَصرِف ويُسرِف في الصرف، قد بسط يده إلى الأيدي الممتدة إليه، وأعطى من سأله ولم يسأله، حتي تحدث الناس عن جوده ماكان يتحدثوه عن أسلافه مثل حاتم وأخوه في السخاء، فحكي "أنه سمع مرة أن امرأة فقيرة تجاور داره بالجيزة قد جاءها المخاض فبعث إليها بعشرة جنيهات،وكان مرتبه حينذاك لايزيد على الأربعين جنيها"كان يأخذ مرتبه في غرة الشهر ويصرفه في بضعة أيام على نفسه وعلى إخوانه، كما كتب صديقه الأستاذ في مجلة "أبولو"سنة 19933م "وإني لأذكره في جلسته في (باراللواء)وقد التف من حوله الصحفيون والأدباء والمتأدبون وداروا حوله في شبه حلقة،وحافظ لاينقطع (الجرسون) عن التردد في مجلسه ذهاباوأيابا، فإذا ما انتهي مجلسه كان حسابه غير يسير"كما يذكر أن وزارة المعارف حينما قررت كتاب "البؤساء" في مدارسها منحته مبلغ ألفي جنيه، وقد أنفق هذا كله في شهر واحد.

كسله وتهربه عن العمل

كان حافظ رجلا متواكلا،استولي عليه الكسل وأحاطه بجميع جوانبه،فكان يهرب عن العمل، ولا يحسن إذا قام به ، كان يتيما فاته أبواه في صغرسنه ولكن لم يحس ولم يشعربحاله، وبقي يعيش على حساب خاله، وحينما أحس ضيقه، وتفتحت عيناه، ترك بيته،وتاه زمنا خالي الوفاض، تافه اليدين، وحينما فاز بعمل وبدأه فلم يحسن صنعه، فترك المحاماة، لأنها تقاضي قراءة مستوعبة، وتطلب العكوف والانكباب على دراسة القضايا،وتحرير المذكرات،وحافظ لم يتمكن منه شيئا لكسله وتهربه عن العمل، حتي كان لا يطيق الجلوس في مقاعده ولو بساعة،فكتب الدكتور"عبدالحميد"في كتابه:لم تكن له طاقة على العمل، ولهذا قلما كان يلفي جالسا إلى مكتبه،كما قال: ذكراأراء الذين عملوا معه في دارالكتب،"والذين اتصلوا به أثناء عمله، يذكرون أنه كان لا يستقر على كرسيه في الدار إلا إذا أكره على ذلك،"

قد رُدحافظ من الشرطة إلى الجيش لكسله وعدم إكتراثه تجاه الواجبات،حتي أحيل على الاستيداع،ثم حينمامست بالجيش حاجة الضباط ،حظى بفرصة العمل مرة أخري، ولكنه لم يمكث فيه طويلا، وأكره على التقاعد لأسباب كان بينها عدم طاقته على العمل، والتهرب منه،كما ذكرنا سابقا، فجملة حافظ كان لا يطيق العمل الجسدي،وظل يفر منه فرارا، مع أن ذهنه ظل مشغولا في قرض الشعر وإنشاده.

شعره

حقا أن الشاعرية نعمةموهوبة من عند الله، يهبها من يشاء، مع أنه يمكن اكتسابه بجد ساعده أيضا، ولكن من كان يزود ويحلى من قبل خالقه لازم أن يكون أحسن ممن يكتسبها بتمرينه وتلمذه على أي أستاذ الفن، وحافظ كان من بين الذين أسبغ عليهم الله الشاعرية، فبدت فيه نفحات الشعر وكان طفلا لم يبلغ أشده، فكان يقرض حيناً يخطأ فيه وحيناً يجيد،كما قال عند مغادرته بيت خاله:

ثقلت عليك مؤنتي * إني أراها واهية

فافرح فإني ذاهب * متوجه في داهية

ثم ما ازداد فقره ومعاناته منذهجرته من بيت خاله حتى مغادرة سودان محيلا إلى المعاش، ازداد شعره وتحسن حاله، و ماإن حصل على وظيفة بدارالكتب، وتحسن معاشه، قلّ شعره،كما ذكرالدكتور عبدالحميد"يقول بعض الأدباء إن وظيفة دارالكتب كانت نعمة على جيب حافظ ونقمة على فنه، لأنه اضطر إلى المصانعة والمداراة، وإلى أن يحسب للقول حسابا، فتحطمت قيثارته، ونضب معين شعره أو كاد، وأصبح لا ينظم الشعر إلا في مناسبات ملحة" ولكن مع أنها أنشد غير قليل من الشعر.

كان حافظ رجلا قاسى جميع أنواع الحزن والألم، كما عانى بالفقر والبؤس أشد المعاناة، لذا بث الحزن في جميع أشعاره،وكم مرة تبرم حافظ بالحياة وأحاط به اليأس كاملا، وهزه في داخله فعبر في شعر ه ما كان في قلبه من حزن وألم.كما كان يحفل بالألفاظ ولا يؤبه بالمعني فقلّ في شعره معنى يعجب به الناس، ويخلب لبهم، وأحيانا كان يتناول معنى الشعراء الأقدمين ويسوغها في أغراضهم.

كان حافظ يحرص على منصبه أشد الحرص، لذا تعود على أن لا يقول شيئا ما يسخط الحاكمين وأولي الأمر،فكان يغلو في ذلك، حتي مدح المستعمرين مدحا، ومدح سعد زغلول حينماكان في يده سلطان وحينما أتيح،وفقد سلطانه،انصرف عن مدحه،بل هجاه،

قد أنشدحافظ في جميع أصناف الشعر،ماكان يألفها الناس في ذلك الحين، فقرض الأشعار و ساغها في أغراض ما تلي:

المدح

هوالصنف الذي مالابد منه للشاعر، فجميع الشعراء منذ ولادة الشعر حتى الأن لعبوا به، ونال المدح فيهم مكانا مرموقا،فحافظ أيضا أظهر كفاءته فيه، مدح وأكثر منه،فكان ينظم قصائد مدحية في جميع المناسبات كتهنئة العيد، وحينما كان يعود أي ممن له أواصر وطيدة من الحب والصداقة وعلاقات التقديروالإكبار،من مصر وخارجها، فمدح سعد زغلول إثر قدومه من بدلته إلي القاهرة، راكباالباخرة(دندرة) واستهل بقوله:

مابال (دندرة)تميس تهاديا* ميس العروس مشت على إستبرق

ثم أضاف قائلا:

ألعلها والتيه يثني عطفها
إني أرى نورايفيض وطلعة
هذا زعيم النيل حل عرينه

*

*

*

حملت ركاب زعيم قلب المشرق
قدزانها وضح الجبين المشرق
بعدالغياب فيا وفود تدفقي

وكذلك تمتع بمدح أستاذه الإمام محمد عبده حينما تولى منصب الإفتاء،وقال:

رأيتك والأبصار حولك خشع
وخفضت من حزني على مجد أمة
طلعت بها باليمن خير مطلع
وجردت للفتيا حسام عزيمة

*

*

*

*

فقلت(أبو حفص) ببرديك أم علي
تداركتها والخطب للخطب يعتلي
وكنت لها في الفوز قدح ابن مقبل
بحدّيه أيات الكتاب المنزل

وكذلك مدح حافظ كثيرا من العظماء والكبراء من مصر وخارجها مثل قصائده التي قرض متملقا إلى الخديو عباس سعيا وراء أجر عاجل،وقصائد أنشدها في مدح "شكسبير" والشاعر الفرنسي، وفكتوريا وما إلى ذلك.

الهجاء

كان الحافظ لا يسخط من أحد، فكيف له أن يهجو، ولكن يذكر أصدقاؤه، بأنه ذهب مرة إلى سعد كان بينهما أواصر الصداقة، فأراد حافظ أن يقابله في مكتبه الخاص، ولكن الحجاب حالوا دونه واستوقفوه وسألوه عن حاجته، فأظهر، ثم دخل أحد منهم مكتب سعد وعاد توا وقال للحافظ أن ينتظر بالباب، فغضب الحافظ وتولدت الموجدة في نفسه، فذهب إلى الشاعر "إسمعيل صبري" شاكيا، وكان الشاعر يغلي في قلبه حقد عن السعد لبعض الأمور فأغراه الحافظ بهجائه، فاستسلم وبدأ يهجوحتى تجاوز حده وغلى إلى غايةالفحش،ولكنه خاف من نشره، فقال وهو يشير إلى موقف سعد وحميه مصطفي فهمي باشاالذي كان يقف بجانب الإنجليز:

بانيك ذا باني حميك فلا تخف
إن قيل إنك قد هدمت رجاءنا

*

*

إن الذي أضحى يقيه يقيكا
فيك فعذرك أنهم أمروكا

وكذلك يتهمه بمساندة "دنلوب"مع أنه كان لا يستحق به، فيقول:

فما دام في قصر الدبارة ربه * فسعد ودنلوب لعمرك واحد

الوصف

لعب حافظ بصنف الوصف والخيال، وقرض فيه الشعر، فله قصائد وصفية،وصف رحلته إلى "أيطاليا" كما وصف كارثة الحريق في مدينة، قد شب، وأتي على معظم المدينة وهلك كثيرا من سكانها،فيصف و فيقول:

سائلواالليل عنهم والنهارا
كيف أمسي رضيعهم فقد الأ
كيف طاح العجوز تحت جدار
رب إن القضاء أنحى عليهم
ومر النار أن تكف أذاها

*

*

*

*

*

كيف باتت نساؤهم والعذارى
م وكيف اصطلى مع القوم ونارا
يتداعى وأسقف تتجارى
فاكشف الكرب واحجب الأقدارا
ومر الغيث أن يسيل انهمارا

وكذلك وصف زلزال(مسينا) :

رب طفل قد ساخ في باطن الأ
وفتاة هيفاء تشوي على الجم
وأب ذاهل، إلى النار يمشي
باحثا عن بناته وبنيه

*

*

*

*

ض ينادي: أمي، أبي، أدركاني
ر تعاني من حره ما تعاني
مستميتا تمتد منه اليدان
مسرع الخطو مستطيرالجنان

ولكن حافظ لم يحظ بسياحة الأرض ولم يغادر مصر إلا لمرة واحدة ،فلم يشهد مناظر خلابة، ولم يربيئات مختلفة للطبيعة ، كما كان ضنك العيش، لم يسعد بمشاهد الترف، لذا لم يبرع حافظ بهذا الصنف، وما أنشد في الكوارث،أجاد فيه، لأنه كان يلائم طبيعته.

الغزل

عندمانستعرض حياةحافظ يتجلي لنا أنه لم يقم للمرأة وزنا، ولم ينظرإليها بعين الإعجاب، كما يظهر بقصة زواجه وطلاقه، فلم تتمكن المرأة من حصول أي مكان لا في قلبه ولا في شعره، فلا يوجد في ديوانه في الغزل إلا قليلا، كما ذكر الدكتور" عبدالحميد" في كتابه:"وإنك لو تصفحت ديوانه الضخم لوجدت أن الغزل لم ينل منه أكثر من ثلاث صفحات" فالحافظ كان يعوزه العاطفة الغزلية ويعدمه نفحة الحب والغرامة، فيذكر الاستاذ أحمد أمين:" كما أن عاطفته ليست من هذا النوع الذي يذوب رقة في غزل أو هياما في حب"فقلّ شعرحافظ في صنف الشعر هذا، مع أنه أنشد عن المرأة ، في الذودعنها، كما كان يصاحب مع "قاسم أمين"نصير المرأة، وكان يصغي إلى آرائها،فكان ينشد، ويطالب بالإنصاف للمرأة والعناية بتثقيفها،فيقول:

من لي بتربية النساء فإنها * في الشرق علة ذلك الإخفاق

الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق

وكذلك لاذع ولام بجنود الجيش الإنجليزي عندما قاوموامظاهرة النساء خلال ثورة سنة 1919م وأشاد مشاركتهن في الحركة السياسة، فيقول:

خرج الغواني يحتجج
فليهنأ الجيش الفخو
فكأنما الألمان قد
وأتوا (بهندنبرج)مخ
فلذلك خافوا بأسه

*

*

*

*

*

نَ ورحت أرقب جمعهنه
رَ بنصره وبكسرهنه
لبسوا البراقع بينهنه
تفيا بمصر يقودهنه
نّ وأشفقوا من كيدهنه

الرثاء

كان حافظ رجلا وفياً، شديد الحفاظ على المودة والصداقة، فحين يفارق صديقه أو من به له علاقة، كان يتملكه الألم ويغرق هو في غياهب الحزن ،ولأنه كان شاعرا كان يرى أنه يجب عليه أن يرثيه، فيصب ألامه على القرطاس ويسوغها في الأشعار، فرثا حافظ وأكثر في رثائه حتى أصبح أكثر شعره،كماقال بنفسه:

إذا تصفحت ديواني لتقرأني* وجدت شعر المراثي نصف ديواني

ولأن حياته كانت عبارة عن الألم، وهذا الصنف من أصناف الشعر كان يوافق هواه يلائم طبيعته، برع فيه براعة تامة، حتى بذّ أقرانه، فأحب شوقي أن يرثه حافظ كما يقول في رثائه لحافظ:

قد كنت أوثر أن تقول رثائي * يا منصف الموتي من الأحياء

حينماقضى أستاذه محمد عبده نحبه وفارق الحياة،ألم به الحزن واستولى عليه بجميع جوانبه، فرثا مالم يرث أحد مثله،فيقول:

سلام على الإسلام بعد محمد
على الدين والدنيا على العلم والحجا
لقد كنت أخشى عادي الموت قبله
فوالهفي والقبر بيني وبينه
وقفت عليه خاسر الرأس خاشعا

*

*

*

*

*

سلام على أيامه النضرات
على البر والتقوى على الحسنات
فأصبحت أخشي أن تطول حياتي
على نظرة من تلكم النظرات
كأني حيال القبر في عرفات

وكذلك رثى حافظ الزعيم مصطفي كامل ألقاه على قبر صديقه، يقول:

أيا قبر هذا الضيف آمال أمة
عزيز علينا أن نرى فيك مصطفى
أيا قبر لو أنا فقدناه وحده لكا
ولكن فقدناه كل شيئ بفقده

*

*

*

*

فكبر وهلل والق ضيفك جاثيا
شهيد العلا في زهرة العمر ذاويا
ن التأسى من جوى الحزن شافي
وهيهات أن يأتي به الدهر ثانيا

الشكوى

كان حافظ نشأ في كنف البؤس، وشب بين الشقاء والحرمان، وظل ينتقل من هنا إلى هناك، لفقدان طاقة العمل، ولم يفز بالراحة طيلة حياته، ولم يذق طعم الترف ولطف العيش، ظل يتضور فقرا وبؤسا، فلم يزل يشكو به، حتى في أيام رخائه،التي لم تطل عليه،فأجاد شكواه، الذي جذب انتباه الناس وخلب عناياتهم،فحينما كان في السوادان يقاسي سوء معاملة الإنجليز مع من كان يشتغل معهم في الجيش، يشكو معاناته وحياته المملوءة بالأشواك،فهذا ما أرسله إلى أصدقائه في مصر.ويقول:

ولكني مقيدة رحالي
نزحت عن الديار أروم رزقي
وما غادرت في السودان قفرا
وها أنا بين أنياب المنايا

*

*

*

*

بقيد العدم في وادي الهموم
وأضرب في المهامه والتخوم
ولم أصبغ بتربته أديمي
وتحت براثن الخطب الجسيم

كتب إلى صديقه معبراعن حياته المفعمة بالخطب والإملاق في السودان، ويظهر ماكان في قلبه لمصر من اللواع المحرقة:

وما أعذرت حتى كاد نعلي
وحتى صيرتني الشمس عبدا
وحتى قلم الإملاق ظفري
متى أنا بالغ يا مصر أرضا

*

*

*

*

دما ووسادتي وجه التراب
صبيغا بعدما دبغت إهابي
وحتى حطم المقدار نابي
أشم بتربتها ريح الملاب

أسلوبه

كان رجلا يتهرب عن العمل ويميل إلى السهولة،فما جدّ في شعره ولم يجهد لجعله حسناً، وكان يقول"أن خير الشعر ما قيل عن غير كد" لذا انقادت طبيعة حافظ إلى اليسر والسهولة، التي تسببت في سطحية المعنى،وكان ضئيل المطالعة، قليل الرحلات،لذا لم تنفسح له أفاق الأدب برمتها، فلم يأت بأخيلة رائعة خلابة، وعواطف جذابة، فالشىء الذي كان يؤبه به، ويهتم إليه اهتماما هوالألفاظ ورنة الموسيقى،وكل مايبذل من جهوده في شعره كان ينحصر على انتخاب اللفظ الذي يلائم الموسيقى، ولو أفسد معناه، فكان يقرض شعره و يغنيه مرة بعد مرة، إن صح موسيقاه وغنائه فيعرضه على الجماهير وإلا فلا. وكل ما يقول حافظ في قصائد مدحية يأتي من سويداء قلبه، ويصدر عن نفسه الصادقة،ولكن لماكان قليل الدارسة وضئيل المطالعة كان يستعير في الغالب بعض المعانى القديمة لإظهار ما يحمل قلبه من مشاعر لممدوحه.

ميزات شعره

v صناعة اللفظ

كان حافظ يعني بألفاظ شعره أشد عناية، و وكان يرى أن روعةالشعر وبهاءه تنحصر في جمال الألفاظ لا في المعنى،لذا كان يركزلها أكثر ما كان يركز للمعنى من العناية والتوجه،كما قال صديقه الشيخ عبدالعزيز البشري: إنه ليؤمن قبل كل شىء بالصنعة والديباجة ونسج الكلام، وما بعد هذا عنده ففضل، وكما قال بنفسه:" أما أنا فأميت المعنى إذا لم يتفق لي لفظ رائع" وحينما رثى الزعيم مصطفي، و تحدث بقبره، سأله الأستاذ طه حسين كيف تتصور قبر مصطفي جاثيا؟ فقال:دعني من نقدك وتحليلك، ولكن حدثني، أليس يحسن وقع هذالبيت في أذنك؟ أليس يثير في نفسك الحزن؟ أليس يصور ما لمصطفي من جلال؟ فقال الدكتور:بلي ولكن.... فقال حافظ؛ دعني من (لكن) واكتف بمثل هذا" ولأنه كان يقدم قصائد بين حشود الشعب ويحب تصفيقهم له، لذا كان يرعى هواهم، ويتوخى الألفاظ التي يحسن وقعها في الأسماع والتي تلعب بعواطف السامعين،فحين تستعرض شعرالحافظ تمعن النظر في قصائده لتأخذعيونك جزالة اللفظ وروعة العبارة أكثرما يأخذ المعنى.

v سطحية المعنى

كان حافظ ينشد يذكر الأشياء بدون تحقيق ومطالعة فلم يكن يمعن النظر في أمور ولا يستوعبها، بل يأخذ الحوادث ويعرفها بالمذاكرة مع عامة الناس،والإناء لا يترشح إلا بما فيه، فما عامة الناس كانوا رجالا سطحيا فقدموا لحافظ السطحية، وحافظ بنفسه،كان رجلا كسلان يفر من العمل والجد كفرار الأسد، فلم يغربل تلك الأفكارالسطحية ،بل نظمها بدون تحقيق، فقد ذكر عنه البعض،أنه لم يقرأ كتاب "تحرير المرأة" وإن كان قال فيها شعرا"كما يقول الدكتور عبدالحميد ذكرا قول الأستاذ المازني:" وسبيل حافظ إذا أراد أن يقول شعرا في حادثة أن يغشى مجالس الناس ويذاكرهم الحديث ليعرف ما ينبغي أن يكون رأيه رغبة فيما يتبع ذلك من طيب الثناء وجميل الذكر"من أجل هذا كان حافظ يلقي بنفسه قصائده في المحافل والمنتديات حتى يستمتع باستحسانهم وتصفيقهم. وكان يتخذ استحسان الجماهير مقياسا لجودة شعره.

v الشعبية

حقا أن إعواز حافظ وبؤسه،قد أهبطه من شأنه، فكان يرى راحة في مصاحبة عامة الناس لأنه كان يرى من بينهم مثله، وأسوأ حالا منه، لذا كان يقرض الأشعار إرضاء للجماهير من الشعب،فكان يحتفي باستحسانهم لشعره ، ولا يأتي من القول إلا بما يصادف هوى في نفوسهم. فكان يلقب بشاعر الشعب.

v التقليد

كان حافظ تلميذ البارودي، ولم يكن يحظى بالثقافة مايرام منها، ولم يدرس سوى كتب العربي الأساسية ودوادين الشعراء الأقدمين من عصر الأموي والعباسي، لذا كان يقلدالقدماء في لفظه ومعناه،يحاكي أولئك الشعراء،كما أشار "شوقي" في رثائه له،يقول:

يا حافظ الفصحى وحارس مجدها
مازلت تهتف بالقديم وفضله

*

*

وإمام من نجلت من البلغاء
حتى حميت أمانة القدماء

وكما قال الدكتور عبدالحميد "كان حافظ شديد التعمل، كثير التأنق، يعنت ذهنه في تقليد شعراء العرب الأقدمين. وقد جنى عليه التقليد إلى حد ما،وأغلق فى وجهه أبواب التصرف والتفنن، وكان حافظ إذا أفلت منه جاء بالشعر الرائع".

v المبالغة

كان حافظ يبالغ في شعره ويغلو في المبالغة كان يستخدم بها دون أي تفكير أو تمحيص، لأنه كان يعرض أشعاره على الجماهير الذين لا يهتمون بتحليل أشعاره بل كانوا يتمتعون بجزالة لفظه وروعة تركيبها، ويظهر مبالغته هذه في رثائه ومدائحه،كماجعل دموع العين تحمل نعشا إلى القبر،فيقول:

مشى نعشه يختال عجبا بربه
تكاد الدموع الجاريات تقله

*

*

ويخطر بين اللمس والقبلات
وتدفعه الأنفاس مستعرات

معذرة لم أحطنا جميع جوانب حياته، كما لم نستوعب جميع نواحي أشعاره،وحقا لم يحدث هذا إلا لقلة المطالعة والوقت، ولشغلنا عن العمل، فمعذرة بأحسن ما يرام.

منتجاته

1. ديوان حافظ: طبع بدار المعارف سنة 1937م بتقديم وتحت إشراف الدكتور أحمد أمين وزملاءه.

2. ليالي سطيح: الفه سنة 1908م ووصف فيه حال مصر ترزح تحت نير المستعمرين وندد بأعمل الإنجليز ولكن في شيئ من الحذر

3. البؤساء: وهو ترجمة رواية ألفها شاعر فرنسي"فكتور هيجو" والشيئ الذي حضه على ترجمة الكتاب كان إحساسه أن الكتاب يحتوي بعض جوانب حياته،

4. الموجز في الإقتصاد:وهو كتاب ألف أصلا باللغة الفرنسية ترجمه الحافظ وزميله مطران، حسب حكم المغفور له "احمد حشمت باشا"وزير المعارف حينذاك، وطبع بمطبع المعارف سنة 1913م.

5. كتيب في التربية الأولية: وهو أيضا ألف باللغة الفرنسية، وحوله حافظ إلى العربية، على حساب وزارة المعارف.

المراجع

تطور الأدب العربي المعاصر في مصر: الدكتورشوقي ضيف

حافظ ابراهيم شاعر النيل: الدكتور عبدالحميد الجندي

الشعر والشعراء في الأدب العربي الحديث: الدكتور أيوب تاج الدين الندوي

الفن ومذاهبه في الشعر العربي: الدكتور شوقي ضيف

حافظ وشوقي: طه حسين

vvv

No comments:

Post a Comment