عقائد الخوارج والمعتزلة
شيئ عن الخوارج
نبدأ من هنا بأن كل منا يعلم أن بعد قتل عثمان رضي الله عنه قد انشق عصا المسلمين فانقسموا فيما بينهم شيعتين، فذهب منهم الذين يسكنون بمنطقة الشام حيث تولى الإمارة معاوية إلى معاوية رضي الله عنه بينما الأغلبية وقفت بجانب علي رضي الله عنه، فحينما بويع علي بالخلافة أراد أن يفاوض مع المعاوية وأرسل رجالا من شيعته ليستعلم بما يريد المعاوية، فحدثت هنا ما حدثت، حتى دارت بينهم رحى الحرب، واقتحم كل منهما في الوغى، فرجحت كفةعلي وانهزمت شيعة معاوية أو كادت، فنسج خطة ودبر حيلة بأن الحرب خدعة،فرفعواالقرآن على رماحهم وصرخوا بأعالي أصواتهم إنه سيحكم فيما بيننا، فعرف علي رضي الله عنه بأن هذاالتحكيم ما هو إلا حيلة يتذرع بها المعاوية للإنسحاب من المعركة قبل أن ينهزم انهزاما ما يرام من الهزيمة،ففي بداية الأمركره ذلك التحكيم ولكن بعضا من شيعته ألحوا وأصرواعلى قبول التحكيم, فقبل،وعين أبا موسي الأشعري ثالثا من قبل شيعته، وعين المعاوية عمرو بن العاص من شيعته، فما إلى ذلك حتى أسفر ذلك التحكيم لحدة ذكاء عمرو بن العاص وسذاجة الأشعري عن انتصارالمعاوية، فاشتد هذاعلى شيعة علي رضي الله عنه، واستشاطوا غضبا، فرجعوا عن التحكيم، وقالو إن الحكم إلا لله، وبما أنهم اعتقدوا أن عليا إمام بويع بيعة صحيحة، فلا معنى لقبول التحكيم مع جماعة خرجوا عليه وبدأوا يرغمون عليا على أن يقر على نفسه بالخطاء والكفر لقبوله التحكيم، ويرجع عما أبرم مع معاوية من شروط ويقاتل به حتى يدخل فيما دخلوا فيه عامة الناس، ولكنه أنكر وامتنع عن ذلك فخرجوا هولاء الخوارج عليه ، وشذوا عن جماعته وشقوا لأنفسهم طريقا أخر، واجتمعوا في حروراء واستخلفواعليهم عبدالله بن وهب الراسي أحدا منهم، ثم وقفوا في وجه علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ، حتى قاتل معهم وهزمهمم شر هزيمة، كما بداؤ القتال مع معاوية ومن تابعه من خلفاء بني أمية.وكانوا فرعين: فرع يسكن ببطائح على كثب من البصرة،وفرع أخر يقطن بجزيرة العرب في اليمن واليمامة، وظلت الخوارج شوكة في جنب الدولة الأموية يهددونها ويحاربونها، ولم يتغلب الأمويون على هذين الفرعين إلا بعد حروب طويلة شديدة استمرت طوال عهد الدولة الأموية.
بعض صفاتهم:
كان الخوارج أشد الناس امتثالا بأوامر الله وأحكام الشريعة،كما كانوا مثلا في الزهد في حطام الدنيا وزينتها،كما كتب المؤرخون بأنهم أهل صوم وصلاة ، وفي جميع أصنافهم يبرؤون من الكاذب ومن ذي المعصيةالظاهرة، وقد قتل أحدهم زياد، ثم دعا مولاه فاستوصفه أمره، فقال: "ما أتيته بطعام بنهاره قط، ولا فرشت له فراشا بليل قط".
كما كانوا يشتدون في المعاملة بمخالفيهم من المسليمن، حتى كثيرا منهم لا يرحموا المرأة ولا الطفل الرضيع ولاالشيخ الفاني,كما لايرضون عن مخالفيهم بقولهم فقط أن عليا أخطأ التحكيم، بل لابد أن يقر بكفره وكفرمن ناصره.
كانوا مخلصين تجاه عقائدهم أشد الإخلاص فقامو باالذود عنها،وضربوالمثل الأعلى، كما كانو أبطالا ذا قوة نادرة،بما أنهم سكنواالبوادي فاشتبهوا بالصعاليك، بارعين في الفراسة و في جميع فنون الحرب والقتال، فبذلوا نفوسهم في سبيل الذود عن مبادئهم وقد ضربوا المثل في الشجاعة النادرة والبطولة الفذة، وشغلو الحزب الأموي وغيره مدة طويلة، وكلفوا الأمة الإسلامية ثمنا غاليا من الأرواح والأموال.فكان تاريخهم تاريخ قتال مستمر.
عقائدهم
1 أنه لا ضرورة لاختيار إمام فلا حكم إلا لله، ويجب على المسلمين أن يمتثلوا بأوامر الله حسب مقتضيات القرآن والسنة.
2 أن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، وإذا اختير فليس يصح أن يتنازل أو يحكم، إلا إذا جار.وعدل عن مبادئ الإسلام،فإذا جار فاستحل عزله أو قتله حسب ما تقتضي الضرورة.
3 أن لكل مسلم حق في الخلافة سواء كان عربيا أو عجميا،وليس بالضروري أن يكون الخليفة قريشيا، بل يصح أن يكون من غيرهم ولوكان عبدا حبشيا لأن انعزاله خلال جوره أسهل من عزل القرشي. فخالفوا بهذانظرية الشيعة الذين يحصرون الخلافة في بيت النبي صلي الله عليه وسلم،بأن الخلافة في قريش.
4 كانوا يرون أن العمل بأوامر الدين من صلاة وصيام وصدق وعدل جزء من الإيمان, وليس الإيمان الاعتقاد وحده،فمن اعتقد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم لم يعمل بفروض الدين وارتكب الكبائرفهو كافر.
وأخيرا نشب الخلاف فيما بينهم ولم يستطيعوا أن يكونوا كتلة واحدة فتفرقوا إلىفرق من أزارقة، والنجدات، والإباضية، والصفرية، وأخرى يبلغ عددها إلى عشرين،كل منها تخالف الأخرى في بعض تعاليمها.
من هم المعتزلة:
مرة كان الأستاذ الحسن البصري يدرس تلاميذه ويشرح مسألة المؤمن الذي اقترف ذنباكبيرا،هل يبقى على إيمانه؟بعدارتكاب الكبيرة أم يخرج من محيط الإيمان ويصير كافرا، وكان هو ببحثه حتى تدخل واصل بن عطاالذي كان قد حضرالدرس وقال: لا يمكن أن يسمى مثل هذا الرجل مؤمنا ولا كافرا، بل يجب أن تحل محلا ثالثا وينزل بين المنزلتين، ثم بعد تقديم هذه الفكرة مباشرة انتحى بعيدة عن المسجد وأخذ يشرحها لزملائه الذين اتبعوه. فقال الشيخ الحسن البصري: إنه اعتزل عنا. ومن ثم أطلق عليه وعلى من تابعوه إسم "المعتزلة".
وقد اختلف كثير من الناس في تسمية المعتزليين وكيفية إطلاق هذا الاسم عليهم، فقال المستشرقون بأنهم رجال صالحون، زاهدون في الدنيا، عاكفون على عبادة الله، فاعتزلوا عن الناس وانتحوا بنواحي بيوتهم لذكر الله وعبادته، لذا سموا بالمعتزلة، مع أن بعضهم يظنونهم من اليهود، والله أعلم بالصواب.
قد تولدت هذه الفكرة في البصرة وسرعان ماانتشرت في العراق حتى وصلت دمشق، واعتنقها من خلفاء بني أمية يزيد بن الوليد ومروان بن محمد، ثم إذا قامت الخلافة لبني العباس تطور الاعتزال حتى أصبحت له مدرستان:مدرسة بصرة ومدرسةبغداد.
عقائدهم
يقول ابوالحسن الخياط في كتابه الأختصار بأن للمعتزلة خمسة أصول فمن يعتقد بها فهو منهم وإلا فلا. وهي: التوحيد،العدل،والوعيد، ومنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1 أماالتوحيد: فهم يعتقدون أن الله خالق كل شيئ ولا إلمام له بشئ من مخلوقه ،فهو ليس بجسم، ولا بعنصر، فلا يدركه شئي من الحواس لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإنه لا يُرى يوم القيامة، وكذلك ليس بجوهر، فلا يحصره المكان ولاتحويه الأقطار، فهم يومنون بالتوحيد المطلق، ينكرون بصفات الله ويقولون لا يصح وصف الله بصفة يوصف بهاخلقه لأن ذلك يقتضي التشبيه،لذا أولوا جميع ما ورد في القرآن من الصفات الإنسانية مثل السميع والبصير، والكليم، فإذا كان الله لايتكلم فليس القرآن كلام الله القديم، بل هو مخلوق محدث.
2 العدل: معناه أن الله لا يخلق أفعال العباد،بل العباد يقومون بها بأنفسهم بالقدرة التي أودعها الله في نفوسهم، فإنهم من أجل ذلك يثابون أو يعاقبون، عكس ما يقول الجهمية بأنه لا اختيار للإنسان على أعماله، إنه مجبر ومكرمن عندالله ،تجري الأعمال على يديه كما تجري على الحجر. وعند المعتزلة إنه حر فيما يفعل، ومن أجل هذا عذب على ما يفعل.
3 الوعيد: معناه أن كل ماوعده الله سيقع لامحالة. فيجزى الإنسان حسب أعماله في الدنيا،وكذلك لا يغفرلمرتكب الكبائرإلا بالتوبة،يختلف المعتزلةبهذه الفكرةمع المرجئةالذين يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
4 منزلة بين المنزلتين:وهوأن الذي ارتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا بكافر، بل في مكان بينهما، لأن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمي المرء مؤمنا وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحق اسم المدح فلا يسمى مؤمنا، وليس هو بكافر مطلق أيضا لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها، فهو في مكان بين الكفر والإيمان، ويجب عليه أن يتوب بما ارتكب من الذنوب، وإلا سيخلد في النار إلاأن يقلل من عذابه شئي بالنسبة إلى الكفار.
5 وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يرون أنه واجب على كل مسلم حسب استطاعتهم سواء كان بالسيف وباللسان، هذا كله لينتشرالإسلام وتتوسع رقعته وليذود عنه كالذودعن نفوسهم ونفوس أبنائهم.
هذه كانت أصولهم الخمسة مع أنهم كانوايعتقدون إن العقل هوالذي يودي إلى معرفة الحسن والقبيح ولولم يرد بهما الشرع، ويقولون إن لكل شيئ صفة في ذاته يجعله حسنا وقبيحا، وكذلك يختبرون الصحابة بمحك عقولهم ويحللون أعمالهم ويقولون إن الصحابة أنفسهم كان يخطي بعضهم بعضا ويحارب بعضهم بعضا، كما كانوا يتفقون مع الخوارج في بعض أمورهم مثل حرية الخلافة فلا تختص بالقريش فيجوز فيهم كما يجوز في غيرهم.ولا يمس بالمسلمين حاجة لنصب الإمام فلا حكم إلا لله.وغير ذلك كثير.
المراجع: 1-تاريخ الإسلام السياسي للدكتور حسن إبراهيم حسن.2-فجر الإسلام لأحمد أمين. 3- تاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ أبوزهره المصري.
No comments:
Post a Comment